«المستشفى للي بيموت».. وقائع إهمال مُعلَن لصحة السجناء
 
 

«محبوس في زنزانة انفرادية داخل عنبر فاضي، لما بيحصله مشكلة صحية ما حدش بيسمعه، بيعرفوا وهُمّا بيدخلوله الأكل بعدين، وبيقعدوا يومين على ما يجيبوله دكتور السجن» هكذا يصف المحامي عبد الرحمن هريدي، أوضاع موكله عبد المنعم أبو الفتوح داخل السجن، مضيفًا: «أبو الفتوح دخل السجن وهو بياخد أربعة أدوية، دلوقتي بياخد 14 نوع دواء».

أبو الفتوح، 68 عامًا، المرشح الرئاسي الأسبق، هو أحد اﻷسماء المعروفة في قائمة طويلة تضمّ مسجونين حياتهم مهددة بسبب تردي اﻷوضاع الصحية داخل السجون، ولا تفرق هذه القائمة بين مسجون جنائي أو سياسي، وإن كانت الصفة الأخيرة تضمن في بعض الأحيان وصول الشكاوى لمراقبين أو متابعين، دون أن يضمن ذلك أية استجابة تضمن تحسن اﻷوضاع الصحية للسجناء.

كل مَنْ في تلك القائمة يبقى مرشحًا لمصير الرئيس الأسبق محمد مرسي، الذي توفي هذا اﻷسبوع أثناء محاكمته، لاحقًا بمسجونين آخرين توفوا بعد شكاوٍ من تردي أوضاعهم الصحية داخل السجن. في حين كانت وفاة مرسي أكثر لفتًا للنظر، ليس فقط لكونه رئيس جمهورية سابق، ولكن لوجود تقارير حقوقية أشارت -سابقًا- إلى احتمالية وفاته إن استمر حرمانه من الرعاية الصحية المناسبة، وهي التقارير التي انضمت لتقارير أخرى رصدت إهمالًا طبيًا متعمدًا يتعرّض له السجناء في مصر بشكل عام.

يرصد هريدي التدهور في صحة أبو الفتوح، خلال فترة حبسه اﻷخيرة منذ فبراير 2018، ما دفعه للتقدّم بأكثر من شكوى خلال جلسات تجديد حبسه -كان آخرها في مايو الماضي- خاصة مع إصابته أكثر من مرة بذبحة صدرية ما أدى إلى تدهور حالة قلبه، بحسب هريدي، الذي يضيف: «فيه برشامة للقلب بتتاخد في حالات الأزمة القلبية، وإدارة السجن رافضة تدخلها».

بحسب هريدي، يعاني أبو الفتوح أيضًا من مشكلة في التنفس، ولكي يتمكن من النوم يعتمد على جهاز تنفس لا يعمل حاليًا في درجة حرارة الزنزانة المرتفعة، وبالتالي لا يستطيع النوم ليلًا.

وضع المرشح الرئاسي السابق إجمالًا سّيء، فمنعه من التريض والتعرّض للشمس يؤثر على صحته، وكذلك يؤثر بقاؤه لساعات كل شهر ونصف في سيارة الترحيلات على صحته، بحسب هريدي الذي يشير كذلك إلى اﻷثر النفسي لتلقيه الزيارات من خلف حاجز زجاجي.

فَقَدَ أبو الفتوح حوالي 30 كيلو جرامًا من وزنه، يقول هريدي ثم يتابع: «رفضوا حتى دخول حزام، فبيفضل ماسك البنطلون بإيده عشان ما يقعش منه».

لا يختلف وضع أبو الفتوح، رئيس حزب «مصر القوية» عن وضع نائبه محمد القصاص، المحبوس انفراديًا منذ فبراير 2018، بتهمٍ متعلقة بالإرهاب، على ذمة القضية 977 لسنة 2017 المعروفة بـ «مكملين 2».

شهدت الحالة الصحية للقصاص تحسنًا نسبيًا طفيفًا، بحسب هريدي، بعد سماح إدارة السجن له بالتريض، إلا أن حبسه انفراديًا يهدد حياته لا يزال.

«القصاص مريض سكري، لو جاتله غيبوبة وهو في الانفرادي ما حدش هيعرف يلحقه، هو شخصيًا مش هيعرف يطلب المساعدة»، يوضح هريدي.

أما المرشح الرئاسي الأسبق ورئيس «مصر القوية» فيستمر التدهور في حالته، مع عدم حدوث أي تغيير في الظروف السيئة لحبسه الانفرادي.

خلال جلسات تجديد الحبس، كرر أبو الفتوح ومحاميه طلباتهما بنقل الأول إلى مستشفى خاص، على نفقته الشخصية، لإجراء عملية جراحية في البروستاتا، وهو الطلب الذي يُرفض دائمًا.

«المستشفى للي بيموت بس» كان هذا رد إدارة سجن «القناطر إيراد» على طلب جمال عبد الفتاح توقيع الكشف الطبي عليه، بحسب زوجته مديحة الملواني.

عبد الفتاح، 72 عامًا، محبوس منذ يناير الماضي، على ذمة القضية رقم 1739 لسنة 2018 حصر نيابة أمن الدولة العُليا، بتهم «مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة». كما سبق حبسه من فبراير وحتى سبتمبر 2018 على ذمة القضية 482 لسنة 2018 حصر أمن دولة، قبل إخلاء سبيله بتدابير احترازية. *

تقول مديحة لـ «مدى مصر» إن زوجها يعاني من الإصابة بفيروس سي، وارتفاع ضغط الدم، وأزمات الربو، ودوالي في ساقيه، فضلًا عن مشكلة في الحجاب الحاجز.

بحسب مديحة، بدأ التدهور في وضع عبد الفتاح الصحي داخل السجن، مع حبسه في معسكر الكيلو  10 ونصف [سجن الجيزة العمومي]، الذي لم يكن مُجهزًا بطبيب، كما أن الزوجة لم تتمكن من إدخال أدوية لعبد الفتاح. غير أن التدهور استمر مع نقله إلى سجن القناطر، بحسب مديحة التي تقول: «في العنبر المساجين بيدخنوا، وده بيأثر على صحته وبيجيبله أزمة، وهو كمان عشان ممنوع من التريض ومن الخروج للشمس صحته اتبهدلت، الدواء بندخله مرة آه، ومرة لأ. وكله بالفلوس، وكذا مرة طلبنا الكشف الطبي عليه واترفض، هو بيطلب كل جلسة محكمة [تجديد حبس]، وأنا قدّمت طلبات للنائب العام والمحامي العام وما حصلش حاجة».

بحسب الزوجة أيضًا، تقدّم عبد الفتاح أكثر من مرة بطلب لإدارة السجن لنقله من العنبر المحبوس به لآخر، وذلك بعد تعرّضه لتهديدات لفظية واعتداءات جسدية من مسجونين معه في العنبر بسبب توجهه اليساري، وهو الطلب الذي رُفض بدوره.

«قالوله هانولع فيك يا بتاع داروين**، وكان فيه زمايل ليه بيتطوعوا إنهم يعملوا ورديات مراقبة عشان ينام وما حدش يضربه، ولما سابوا العنبر، ما بقاش بيعرف ينام، لدرجة إن آخر زيارة كانت أعصابه تعبانة وإيده بتترعش».

إن كانت طلبات كل من أبو الفتوح وعبد الفتاح رُفضت، فإن مسجونين آخرين يأسوا من الاستجابة لطلباتهم، فلم يعودوا يقدمونها من اﻷساس، أحدهم هو المحامي محمد منيب، 60 عامًا، المسجون في قضية «إهانة القضاء»، والذي يعاني من سرطان البروستاتا.

في آخر زيارة لمحمد منيب في محبسه، لاحظت زوجته وفاء المصري انحناء ظهره، فاقترحت عليه أن يطلب من إدارة السجن عمل أشعة، لكنه رفض، مبررًا ذلك بقوله: «كده كده مش هيستجيبوا».

بحسب وفاء، تنقطع المياه بشكل متكرر عن العنبر المحبوس فيه زوجها، ما يدفعه هو وزميله في الزنزانة لملء المياه ونقلها للاحتفاظ بها، وهو اﻷمر الذي أثر على صحته سلبًا، خاصة وأنه أجرى سابقًا جراحة لعلاج فتاق في معدته.

منيب موجود في السجن من أكتوبر الماضي، تنفيذًا لحكم سجنه ثلاث سنوات. وبعد تكرار رفض طلبات متعلقة بحالته الصحية يأس منيب من استجابة إدارة السجن لطلباته.

قبل حبسه كان منيب يتلقى العلاج بسبب مرضه بالسرطان، وطلب طبيبه منه إجراء كشف دوري كل ثلاثة أشهر لمتابعة نسبة السرطان في الجسد. لكن في يناير الماضي حلّ موعد الكشف الدوري -وكان منيب وقتها محبوسًا- وحينما تقدّمت زوجته بعدة طلبات لتمكينه من عمل التحليل خارج السجن رُفض الطلب، وكان القرار هو إجراء التحليل في مستشفى السجن، وهو غير مجهز للتعامل مع هذا المرض، بحسب وفاء المصري.

«التحليل ده بيتعمل على مرتين، محمد عمل التحليل الأول، وراح في اليوم التاني يعمل التحليل التاني، سألهم على نتيجة التحليل اﻷول، فرفضوا يقولوله، فقرر ما يكملش التحاليل، وقدّمنا شكوى في المجلس القومي لحقوق الإنسان وللنائب العام، ورفضوا يقولولنا نتيجة التحليل، واتقالي ده ورق السجن وما بنطلعهوش بره».

تضيف وفاء المصري أن إدارة السجن خصمت مبلغ 1500 جنيه من اﻷموال التي تضعها لزوجها في أمانات السجن، وذلك مقابل التحليل الثاني الذي لم يتمّ.

في أبريل الماضي تقدّمت وفاء بطلب جديد للسماح لزوجها بإجراء التحليل الدوري خارج السجن، رُفض الطلب، ويأس الزوجان من تقديم الطلبات.

في بعض اﻷحيان تستجيب إدارات السجون جزئيًا لطلبات متعلقة بالرعاية الصحية، لكن مستوى الرعاية المسموح به يظل مؤرقًا بالنسبة للسجناء أصحاب الطلبات.

في بداية حبسه، اشتكى الناشط السياسي حازم عبد العظيم من عدم الكشف الطبي عليه رغم طلبه ذلك.

عبد العظيم محبوس منذ مايو 2018، على ذمة التحقيق في القضية 734 لسنة 2018 أمن دولة، بتهم «مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للترويج ﻷفكار تلك الجماعة، ونشر أخبار كاذبة».

يعاني عبد العظيم من مشكلة صحية في مفصلَيْ الحوض، تستدعي تدخلًا جراحيًا، بحسب محاميه مختار منير، وبعد ثلاثة أشهر من حبسه وافقت النيابة على توقيع الكشف الطبي عليه في مستشفى السجن الذي قرر أنه لا يمكنه إجراء مثل هذه العملية الجراحية، ونقلوه إلى مستشفى المنيل التخصصي، الذي وافق على إجراء الجراحة.

بعد أكثر من ثلاثة أشهر أخرى وافقت النيابة بدورها على إجراء الجراحة في المنيل التخصصي، إلا أن عبد العظيم نفسه تراجع عن إجراء الجراحة خوفًا من تبعاتها. يقول المحامي مختار منير لـ «مدى مصر» إن موكله يخاف من إجراء العملية وهو محبوس لما تتطلبه من رعاية طبية متخصصة بعد إجرائها، ويوضح: «مطلوب سرير طبي وعلاج طبيعي، ووضع السجن ومستشفاه لا يسمحا بهذا بطبيعة الحال».

الاستجابات لطلبات العلاج لا تعني بالضرورة تحسن ظروف احتجاز السجين بعد ذلك، وهو ما يتضح في حالة أحمد دومة، المحبوس منذ ديسمبر 2013 على ذمة قضية أحداث مجلس الوزراء، والذي تعرّض للاعتداء أكثر من مرة من سجناء آخرين، دون تدخل من السلطات، وتدهورت حالته الصحية في 2014، خاصة بعد إعلانه الإضراب عن الطعام اعتراضًا على ظروف حبسه، ورفض إدارة السجن نقله إلى المستشفى، ليصل اﻷمر إلى حضوره بعض جلسات محاكمته وهو على كرسي متحرك.

نورهان حفظي، زوجة دومة السابقة التي لا تزال تتابع حالته عن كثب، تقول لـ «مدى مصر» إن مشكلات دومة لم تتوقف منذ ذلك الحين، حتى مع نقله لعنبر المسجونين في مستشفى قصر العيني في أكتوبر 2014، والذي بقي فيه لمدة سبعة أشهر، قبل إعادته إلى السجن مرة أخرى بمجموعة أدوية تخص قرحات المعدة التي خضع للعلاج منها في المستشفى.

بعد عودة دومة إلى السجن، ونظرًا لسوء الأوضاع؛ عدم توفّر سرير أو السماح له بالتعرّض للشمس أو التريض إلا لفترات قصيرة جدًا، انتهى الحال به إلى مشكلات في العضلات والعمود الفقري والركبتين، بحسب نورهان.

نتيجة هذا التدهور، سبق أن طالبت نورهان -قبل نحو عام ونصف- بإجراء أشعة رنين لدومة، ولم يتمّ الاستجابة لهذه المطالبة، فقامت بتقديم الشكاوى للمجلس القومي لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، ورغم ذلك لم تتمّ الموافقة على إجراء الأشعة في مستشفى خارجي إلا بعد ثمانية أشهر، حين أصبح دومة مهددًا بالإصابة بشلل، بحسب نورهان.

الآن، يتناول دومة أدويته، لكن لا تساعده ظروف الاحتجاز الصعبة على التعافي. وتوضح نورهان حفظي أن طبيًبا استشاريًا بالسجن، وصف لدومة أدوية لتكرار شعوره بأعراض أزمة قلبية، ما أرجعه الطبيب لأسباب نفسية. لكن أسرة دومة لم تتمكن من إدخال تلك الأدوية له.

كما تقول نورهان إن ضابطًا بالأمن وطني يمنع دخول الأدوية لدومة، وتوضح: «[الضابط] عمل مشاكل كتير في السجن [طرة تحقيق].. وتسبب في وفاة مسجون مريض بسبب منعه من الانتقال للمستشفى. كان بيمنعنا من الزيارة.. وبيمنع حاجات كتير تدخل لأحمد. بعد وفاة المسجون ده اتنقل [الضابط] من السجن، لكنه رجع تاني مؤخرًا، وهو اللي بيمنع دخول الأدوية.. ويبدو أنه هدّد الطبيب؛ فلما طلبنا ورقة رسمية بالأدوية الطبيب تراجع عن كلامه. أحمد دلوقت اِشتكى الظابط ده لرئيس قطاع الأمن الوطني، فـ اتنقل مرة تانية، لكن الدوا لسه مش بيدخل».

ترى نورهان حفظي أن مشكلة الوضع الصحي في السجون تعود لكون القرار في يد الضباط، وترى أنه لو كان في أيدي الأطباء لربما كان الوضع أقل كارثية.

الخروج لتلقي العلاج والعودة للسجن مرة أخرى تكرر مع أحمد الخطيب، الذي يقضي حكمًا بالسجن 10 أعوام بتهمة «الانضمام لجماعة إرهابية خارج البلاد»، والذي بدأت رحلته مع المرض أواخر مايو 2016 عندما رُحّل إلى سجن وادي النطرون. وشُخصت حالته في البداية بالالتهاب الرئوي. خاصة مع عدم وجود سابقة مرضية له، وبعد قرابة عام، وافقت إدارة السجن على نقله إلى مستشفى الحُميات في مارس 2017 بعد صدور تقرير طبي من مستشفيات جامعة القاهرة يفيد بأنه مصاب بمرض «الليشمانيا الحَشَرية»، التي يؤدي التأخّر في علاجها إلى مضاعفات تتسبب في الوفاة، بحسب تقرير طبي كانت الأسرة قد تقدّمت به لوزارة الداخلية.

أُعيد الخطيب إلى السجن لاحقًا في مارس 2018، ولم تستجب السلطات لدعوات الإفراج الصحي عنه، بحسب ما تقوله أخته فاطمة الخطيب لـ «مدى مصر»، موضحة أن أخيها خرج من المستشفى بناءً على قرار من مصلحة السجون، رغم إشارة تقرير المستشفى -وقتها- إلى أن الخطيب مناعته ضعيفة ويحتاج لرعاية دورية وكشف طبي دوري للتأكد من عودة المرض.

«هُمّا نقلوه من العباسية لمستشفى ليمان طرة، العنبر كان فيه 40 مريض، فيهم اللي عيان بفيروس سي وحاجات صدرية وأمراض معدية، فطلب من إدارة المستشفى أنهم ينقلوه أوضة لوحده عشان ما يلقطش عدوى، فحطوه في حبس انفرادي بالسجن» تقول فاطمة.

تضيف فاطمة أن حالة أخيها الصحية تحسنت نسبيًا، لكنه لا يزال يمرض كثيرًا؛ التهابات في المعدة وبعض الغدد، وتقدّم له مستشفى السجن العلاج، كما سمحت إدارة السجن للأسرة بإجراء تحليل دوري أثناء الزيارة للتأكد من مستوى كرات الدم البيضاء في جسده. وتختم فاطمة الخطيب بقولها إن إدارة السجن أصبحت متعاونة بعد حملة التضامن الواسعة مع أخيها.

وإن كانت حملات التضامن تنجح في تحسين اﻷوضاع الصحية أحيانًا، تبقى نتائجها غير مضمونة دائمًا، مثلما هو الحال مع القيادي بجماعة «الإخوان المسلمين» محمد البلتاجي، 56 عامًا، والذي أصدرت أسرته في مارس الماضي بيانًا حول صحته أشارت فيه أنه يواجه «القتل البطيء». وطالبت بالسماح لمؤسسات حقوقية ودولية تقييم وضعه الصحي، بعد إصابته بجلطة دماغية ورفض إدارة سجن العقرب نقله إلى المستشفى.

بعد أيام من ذلك البيان، نقلت تقارير صحفية نفي مصدر أمني مُجهَّل إصابة البلتاجي بجلطة، دون أن تصدر تصريحات رسمية حول حالته، تؤكد بيان اﻷسرة أو تنفيه.

لكن الحقائق تكون أحيانًا أوضح من نفي المصادر أو تأكيدها، ويبقى أثر تدهور اﻷحوال الصحية في السجون باقيًا على البعض حتى بعد خروجهم من السجن.

في أكتوبر 2015، قُبض على الباحث والصحفي هشام جعفر، والذي كان يعاني من ضعف عصب الإبصار وتضخم في البروستاتا واحتباس في البول، ومع حبسه انفراديًا لمدة ثلاثة سنوات ونصف تقريبًا، ومنع الزيارات عنه، وسوء الرعاية الصحية، تدهورت حالته بشدة.

ورغم المطالبات المختلفة من قِبل أسرة جعفر، ومن المجلس القومي لحقوق الإنسان ونقابة الصحفيين بإجراء جراحة عاجلة له لاستئصال البروستاتا، إلا أن إدارة سجن العقرب لم تسمح له بإجراء العملية حتى فبراير 2019، بعد 17 شهرًا من تحديد أول موعد له لإجراء العملية.

في أبريل الماضي، أُخلى سبيل هشام جعفر بتدابير احترازية، غير أنه خرج من السجن وقد أوشك على فقد بصره تمامًا، وبعدما تفاقمت حالة البروستاتا لديه.

لكن جعفر وباقي المسجونين الذين يعانون من ظروف صحية سيئة يبقون أفضل حالًا من مسجونين آخرين انتهت حياتهم داخل السجون، وسط اتهامات من ذويهم لسوء الرعاية الصحية وظروف الاحتجاز بالتسبب -أو على اﻷقل الإسراع- في وفاتهم.

أحد هؤلاء هو المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، مهدي عاكف، الذي توفي في سبتمبر 2017 في مستشفى قصر العيني، بينما كان محبوسًا على ذمة عدد من القضايا. وكانت أسرته وعدد من الحقوقيين قد طالبوا بنقله من القصر العيني إلى مستشفى خاص، في يناير 2017، بعد تدهور حالته الصحية إثر إصابته بالسرطان. لكنه لم يُنقل وبقى بالقصر العيني.

بالإضافة إلى عاكف، توفي كذلك القيادي بجماعة «الإخوان المسلمين» فريد إسماعيل في مايو 2015، كما توفي القيادي في الجماعة الإسلامية نبيل المغربي في يونيو 2015، ولحق به عدد آخر من قيادات تنظيم «الجماعة الإسلامية» وهم عصام دربالة ومرجان سالم وعزت السلاموني في أغسطس 2015، فضلًا عن القيادي بجماعة «الإخوان المسلمين» أحمد غزلان في الشهر نفسه.

حالات الوفاة تلك زادت من الحديث عن الإهمال الطبي داخل السجون، والذي ارتقى في نظر البعض إلى اعتباره بمثابة قتل عمد.

الحديث عن مسؤولية السلطات عن أحوال المسجونين الصحية لم تفتحه فقط وفاة الرئيس اﻷسبق محمد مرسي مؤخرًا، بل هو شأن أثارته العديد من التقارير الصحفية والحقوقية خلال السنوات الماضية.

في مايو 2017، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، تقريرًا بعنوان «يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم: الإهمال الطبي في السجون جريمة» تضمن شهادات عدة للإهمال الطبي داخل السجون، والمشكلات التشريعية وراء ذلك، مطالبة بتغيير بعض مواد قانون تنظيم السجون، ومنها السماح بإيداع المساجين المرضى في مستشفيات مجهزة، وزيادة عدد الأطباء المتخصصين داخل السجون، بالإضافة إلى مواد تجعل الأطباء بالسجون مستقلين عن إدارات السجون وخاضعين لإشراف وزارة الصحة.

أوصى التقرير أيضًا إدارات السجون بضرورة الاستجابة السريعة للحالات الطارئة التي تحتاج إلى تدخل طبي، وإيجاد آلية قانونية تضمن حصول أي سجين على الرعاية الصحية عند الحاجة، كما طالب أيضًا بتحسين أوضاع السجون من منظور صحي وقائي.

كانت المبادرة قد أشارت في تقرير سابق، في مارس 2016، إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور في البنية التحتية للسجون وانعدام الرعاية الصحية، حيث قال التقرير «يفتقر النزلاء إلى أبسط إمكانيات الحياة الصحية والنظافة الأساسية، في الوقت الذي يعانون فيه سوء معاملتهم هم وزائروهم وعدم السماح بإدخال الملابس والأغطية والأطعمة لهم من خارج السجن رغم عدم توفرها للسجناء -بالشكل الكافي- بالداخل. وتكاد الأوضاع في بعض الأحوال تقترب مما كان عليه الحال في القرون الوسطى، حيث كانت إساءة المعاملة والتعذيب والحرمان من الطعام والرعاية الصحية هي سمات طبيعية لحياة السجون».

بعد وفاة مرسي، تجدّدت المطالبات بالتركيز على الأوضاع الصحية، وفحص باقي الحالات الموجودة في السجون، فطالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان بفحص الحالات المشابهة لحالة مرسي الصحية في السجون، بينما طالبت ستة مراكز حقوقية، بـ «السماح للجنة الصليب الأحمر الدولية بتقصي أوضاع السجون المصرية والوقوف على حالة السجناء، كذلك السماح للمنظمات الحقوقية المصرية والدولية والمجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة السجون، على أن يتمّ نشر تقريرهم حول أوضاع السجون وتوصياتها علانية».

رغم كل ما سبق، فإن رد الفعل الرسمي على تلك التقارير والمطالبات يكون بالتجاهل عادة، وأحيانًا يكون بتقارير تحمل روايات رسمية مضادة، وصولًا لاعتبار أن اﻷوضاع في السجون المصرية وصلت للمعايير العالمية. وفي أحيان أخرى يكون الاتهام بالتسبب في وفاة سجين بالإهمال الطبي، هو «تدوير للأكاذيب»، مثلما قال بيان هيئة الاستعلامات اﻷخير، ردًا على اتهام من مسؤولة في «هيومن رايتس ووتش» للحكومة المصرية بالتسبب في وفاة محمد مرسي.

*في إشارة لتشارلز داروين صاحب نظرية التطور.

**في 24 يونيو،  تم تصحيح رقم القضية المحبوس على ذمتها حاليًا جمال عبد الفتاح، وتاريخ بدء حبسه.

اعلان
 
 
هدير المهدوي 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن