يزايد الإسلاميون والدولة على بعضهم البعض في التطرف والجهل والكراهية كما في العنف والأذى. يعاقب الإسلاميون من يختلف عنهم بـ «الموت»، ويعاقب النظام الحاكم من يختلف عنه بـ «السجن».
يمكن تسمية هذا «سباق التدين»، وتعريفي للتدين هنا ليس مجرد إقامة الشعائر الدينية والالتزام بها، بل هو التفاخر والشعور بالتميز لمجرد الانتماء لدين معين، أو الشعور بالأفضلية لمجرد إقامة شعائر وطقوس دينية.
يريد النظام الحاكم، عن طريق أدواته، كالإعلام ومنابر المساجد، أن يقول للمجتمع المصري «المتدين بطبعه»: نحن أيضًا نحافظ على الدين وأخلاق المجتمع، فلا داع لأن يزايد علينا الإخوان والإسلاميون!
الدولة، والنظام الحاكم بالخصوص، سلفية الهوى؛ أثناء اعتقالي من منزلي وسط عائلتي، سألني الضابط عن ديانتي وعن أسباب خلعي الحجاب وعما إذا كنت عذراء أم لا!
بعدها، وفي السيارة التي أخذتني لمقر لم أعرف كنهه، غمّى الضابط عيني، ونزلت سلالم لم أعلم إلى أين تأخذني. فقط صوت رجل: «خدها هناك عند الباشا»، رائحة قذرة تفوح من المكان، وأصوات بشر يئنّون من الألم؛ جالسة على الكرسي، يداي مربوطتان، وقماشة بداخل فمي لم أعلم الهدف منها، لا أرى أحدًا، ولا يحدثني أحد، قبل وقت قصير من ارتعاش جسمي وفقداني للوعي لفترة لا أعرف كم امتدت.
كانت كهرباء. جرى تعذيبي بالكهرباء! وجرى تهديدي بإيذاء أمي إن أخبرت أحدًا، أمي التي ماتت بعد رحيلي.
لم يكتف النظام بتعذيبي، بل حرّض رجال قسم السيدة زينب نساء التخشيبة على التحرش الجنسي واللفظي بي.
لم يقف التعذيب هنا فقط، بل كان هناك المزيد من التعذيب النفسي ضدي، بسجن القناطر والزنزانة الانفرادية لأيام وأيام، قبل الانتقال الى عنبر مُنعت فيه من الحديث مع السيدتين المسجونتين معي.
مُنعت من التريض في نور الشمس طيلة مدة حبسي، إلى أن فقدت القدرة على التواصل بالعين مع الآخرين.
كان التحقيق الذي جرى داخل مقر نيابة أمن الدولة، نموذجًا للحماقة والجهل الواضح؛ طلب المحقق مني إثبات أن منظمة الصحة العالمية لا تعتبر المثلية الجنسية مرضًا. وبالفعل، تواصل المحامي مصطفى فؤاد مع منظمة الصحة العالمية لتقدم ورقًا مختومًا من جهتها بأن المثلية الجنسية ليست مرضًا، كما تواصلت المحامية هدى نصرالله مع الأمم المتحدة لتقدم ورقًا مختومًا من جهتها هي الأخرى يفيد بأن احترام حرية الميول الجنسية حق من حقوق الإنسان.
كل هذا ناقشته، أنا وأحمد علاء، في عقر دار نيابة أمن الدولة.
كانت أسئلة المحقق ساذجة إلى حد البلاهة؛ شّبه الشيوعية تارة بالمثلية الجنسية، وسألني ساخرًا تارة أخرى عن سبب امتناع مثلي الجنس عن ممارسة الجنس مع الحيوانات والأطفال.
لم يكن يعلم بالطبع أن ممارسة الجنس مع الأطفال جريمة تُسمّى «بيدوفيليا»، كما أن ممارسة الجنس مع الحيوانات جريمة أخرى تُسمّى «زوفيليا».
لا عجب من محدودية تفكيره، فهو يرى الشعراوي شيخًا جليلًا ومصطفى محمود عالمًا عظيمًا، وأن العالم يتآمر ضدنا، والمثلية الجنسية دين ندعو له. لا تخرج مصادر ثقافته عن الأهل ورجال الدين والمدرسة والإعلام.
أمر محبط؛ أصبحت أخاف الجميع، وحتى بعد إخلاء سبيلي، ظل الخوف من الجميع، الأسرة والأصدقاء والشارع، يطاردني. ظل الخوف سيد الموقف.
أصبت باكتئاب حاد واضطراب ما بعد الكرب وتوتر وقلق ونوبات فزع، مع علاج بالصدمات الكهربائية أدى إلى مشاكل بالذاكرة، قبل أن أجبر على السفر خوفًا من الاعتقال مرة أخرى، وفي الغربة أفقد أمي، لتليها مرحلة أخرى من العلاج بالصدمات الكهربائية في تورونتو، ومحاولتا انتحار وتأتأة بالنطق وذعر وخوف ومحاولات لتجنب الحديث عن السجن، عدم القدرة على الخروج من الحجرة وتدهور أكبر في الذاكرة وتجنب الظهور وسط التجمعات والإعلام بسبب فقدان التركيز والشعور بالتيه والرغبة في الصمت، كل هذا مع الشعور بفقدان الأمل من العلاج والشفاء.
هذا ما جنيته من عنف الدولة بمباركة المجتمع «المتدين بطبعه».
ليس هناك فرق بين سلفي تكفيري إرهابي بلحية شعثاء يريد قتلك، لأنه في منزلة أعلى عند ربه، ولأنه لذلك مكلف بقتل كل من لا يشبهه، أو رجل بلا لحية وبملابس أنيقة وهاتف حديث وسيارة فاخرة، يعذّب ويحرّض ويسجن لأنه في منزلة أعلى عند ربه ومكلف بتعذيب كل من لا يشبه القطيع، وبسجنه.
كل من يختلف عن القطيع، كل من ليس ذكرًا مسلمًا سنيًا مغاير الجنس ومؤيدًا للنظام، هو، أو هي، في عداد الأموات والمضطهدين والمنبوذين.
صفّق القطيع للنظام وقت اعتقالي أنا وأحمد علاء، الشاب الذي خسر كل شيء أيضًا من أجل رفع علم قوس القزح!
اتفق الإخوان والسلفيون أخيرًا مع النظام الحاكم ضدنا نحن. اتفقوا في العنف والكره والعنصرية والاضطهاد.
قد يكون هذا السبب في عدم اختلافهما عن بعضهما البعض، كونهما وجهين لعملة واحدة.
لم نر يد العون إلا من المجتمع المدني، الذي أدى واجبه، ورغم تضييق الدولة عليه، على أكمل وجه.
لن أنسى هيئة الدفاع؛ مصطفى فؤاد، هدى نصر الله، عمرو محمد، أحمد عثمان، دعاء مصطفى، رمضان محمد، حازم صلاح الدين، مصطفى محمود، حنفي محمد وغيرهم.
مجهود المجتمع المدني، حتى بعد السجن، لا يقدر بكلمات على ورق، ولكني لا أملك سوى الكلمات التي على الورق. لذلك أطلب عفو المحامين والمجتمع المدني لقلة حيلتي وعدم قدرتي في التعبير عن امتناني سوى بكلمات الشكر.
بعد مرور عام على حفلة مشروع ليلى والتي منعت من دخول مصر، بعد مرور عام على أكبر هجمة أمنية ضد المثليين جنسيًا، بعد مرور عام على إعلاني عن اختلافي «نعم، أنا مثلية»، لم أنس اعدائي.
لم أنس الظلم الذي ترك بقعًا سوداء محفورة بالروح وتنزف دماء، بقعًا لم يستطع الأطباء علاجها قط.
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر
أشترك الآن