منتصف يونيو الماضي أزالت القنوات الفضائية المصرية شعار العملية الشاملة «#سيناء_ 2018» واستبدلته بشعار «#خليك_مع_مصر_اكتشف_استثمر»، بعد أن استمر شعار العملية الشاملة على مدار خمسة أشهر لا يفارق أعلى يسار شاشات التليفزيون منذ بدايتها في مطلع فبراير الماضي.
ويوم الخميس الماضي، وصل إلى مدينة العريش وفد إعلامي مكون من صحفيين ومراسلين لمواقع وقنوات محلية وعالمية، بصحبة المتحدث العسكري للقوات المسلحة، العقيد تامر الرفاعي. حضر الوفد الإعلامي مؤتمرًا في ديوان عام محافظة شمال سيناء، عرض خلاله المحافظ، اللواء السيد عبد الفتاح حرحور، مشروعات التنمية المقامة على أرض المحافظة. بعدها تجول الوفد في شارع 23 يوليو وسط مدينة العريش، وأجرى لقاءات مع مواطنين، قبل الانتقال إلى مدينة بئر العبد التي تبعد عن العريش قرابة 80 كيلو متر غربًا، والتجول في وسط المدينة على شاطئ البحر.
إزالة الشعار من الشاشات، التي تشير إلى انتهاء حالة التعبئة الإعلامية حول العملية، وزيارة الوفد الإعلامي، التي تشير إلى بدء تعبئة في اتجاه آخر حول وضعية الاستقرار، تزامنًا مع مؤشرات عدة شهدتها أرض المعركة في شمال سيناء خلال الأسابيع الأخيرة قد تشير إلى انتهاء، أو قرب انتهاء، العملية الشاملة، ما تجلى في انتهاء بعض من معاناة السكان هناك، فيما استمرت جوانب أخرى من تلك المعاناة.
قبل أيام من بدء العملية الشاملة، تدفقت التعزيزات العسكرية على كتيبة الحسنة، أقرب مدن وسط سيناء للعريش، محملة فوق كاسحات عملاقة شملت سيارات جيب «هامر» ومدرعات وناقلات جنود، حسبما قالت مصادر محلية لـ «مدى مصر». وفي نفس الوقت، أكد مصدر أمني لصحفية «الشرق اﻷوسط» السعودية ملاحظة «زيادة وصول المعدات الأمنية والعسكرية إلى مراكز العريش، والشيخ زويد، ورفح..».
الكثير من تلك الآليات والمعدات بدأت في مغادرة العريش على مدار الأيام الأولى من شهر يوليو الماضي، بحسب شهود عيان، وهو ما أكده مصدر محلي لـ «مدى مصر»، حيث لاحظ عشرات الكاسحات تحمل آليات عسكرية تخرج من شمال سيناء مارةً بالطريق الأوسط نحو نفق الشهيد أحمد حمدي.
كذلك، ذكر مصدر أمني أن وزارة الداخلية مؤخرًا أعادت السماح براحات الضباط (15 يومًا) بشكل طبيعي، بعد إلغائها مع بداية العملية الشاملة، حين وضعت قوات الشرطة، الرئيسية والاحتياطية، في شمال سيناء في حالة استنفار تام.
واحدة من علامات بدء انتهاء حالة الاستنفار العسكري في شمال سيناء، أشار إليها انتهاء حالة الطوارئ الطبية التي أعلنتها وزارة الصحة في مستشفيات المحافظة وجاراتها في محافظات القناة، حيث أبلغت الوزارة، الأسبوع الماضي، الأطباء المنتدبين للعمل احتياطيًا في مدن القناة، خاصة الإسماعيلية، بانتهاء حالة الطوارئ المفروضة عليهم، وأن بإمكانهم العودة إلى بلدانهم، على أن تبقى إمكانية استدعائهم مرة أخرى قائمة. وكانت «الصحة» فرضت على أطباء من تخصصات الجراحة العامة وجراحة العظام الانتقال إلى والبقاء في مستشفيات مدن القناة منذ بداية العملية الشاملة، وأوضحت أن تغيبهم عن ذلك يعرضهم للمساءلة أمام الحاكم العسكري.
مع بداية «سيناء 2018» منعت السلطات الأمنية السفر خارج محافظة شمال سيناء، وأغلقت كل مدينة على من فيها ومنعت التنقل فيما بينها. ومع بداية مارس الماضي أعلنت المحافظة عن آلية للسفر منها وإليها، من خلال تنسيق مسبق مع ديوان عام المحافظة، حيث كان على راغبي السفر خارج المحافظة تقديم صور من بطاقات هوياتهم الشخصية يتم الاستعلام عنها أمنيًا، بعدها تنشر المحافظة قوائم بأسماء من سُمح لهم بالسفر على صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك»، وتوفر لهم حافلات السفر.
مع بداية يوليو الماضي، سَمحت السلطات الأمنية للمواطنين بالسفر ثلاثة أيام في الأسبوع بدون تنسيقات أمنية وهي أيام الخميس والجمعة والسبت، سواء عن طريق الحافلات والسيارات الأجرة أو السيارات الملاكي للمواطنين.
لكن، الارتياح الذي استقبل به الأهالي هذه القرارات لم يدم طويلًا بسبب ما وصفوه بجشع السائقين في رفع تسعيرة الركوب عن حدها الطبيعي لتصل إلى 100 و150 جنيه للخروج من المحافظة حتى الضفة الغربية لقناة السويس. ويبرر سائقو الحافلات رفع التسعيرة بسبب إغلاق محطات الوقود واضطرارهم لشرائه من السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
مع بدء العملية الشاملة مُنع دخول جميع أنواع الخضروات والأغذية، كما أُغلقت محطات الوقود، وبالتالي توقف إمداد السيارات بالوقود، وأُغلق البحر أمام الصيادين، وطُوقت أحياء كاملة ومُنع الدخول والخروج منها لأسابيع، في ظل عَزل كامل للمحافظة من خلال فصل شبكات الاتصال والإنترنت طوال ساعات النهار وتمتد لساعات في الليل.
مع مغادرة آخر ضوء للعريش، التي تضم الكتلة السكانية الأكبر بالمحافظة، كان يمكنك بسهولة ملاحظة حالة الركود تخيم على المدينة، حيث تفرغ الشوارع من الأهالي وتغلق المحال التجارية أبوابها.
كانت الانتخابات الرئاسية، التي أجريت على مدار ثلاثة أيام في مارس الماضي، نقطة تحول في حلحلة هذا الوضع.
مع أول أيام الانتخابات، وحتى كتابة هذا التقرير، سمحت السلطات الأمنية لسيارات تجار الخضروات وجميع السلع الغذائية بدخول المدينة وإمداد الأسواق بجميع أنواع الخضروات والطعام، ما نتج عنه اختفاء الطوابير أمام شودار الخضروات وأمام سيارات جهاز الخدمة الوطنية التابعة للقوات المسلحة التي كانت المصدر الوحيد لجميع أنواع الطعام في المحافظة.
وفي منتصف مايو الماضي، أوجدت المحافظة آلية لدخول البضائع عن طريق تنسيقات من خلال الغرفة التجارية في مدينة العريش، ما نتج عنه رواج ملحوظ في شارعي 23 و26 يوليو وسط المدينة.
لكن، تلك الانفراجة في توافر السلع الغذائية لم تصل بعد إلى القرى التابعة لمدينة العريش في الاتجاه الشرقي، وقرى جنوب الشيخ زويد، وما تبقى من الأهالي في المنطقة العازلة في مدينة رفح.
تجلت حالة الرواج خلال أيام عيد الفطر في يونيو الماضي وحتى اليوم، في مشاهد الباعة الجائلين، التي افتشرت أرصفة الشوارع الرئيسية بالمدنية.
ومع انتهاء امتحانات الثانوية العامة، بداية يوليو الماضي، أصبحت شواطئ العريش قِبلة الأهالي، خاصة يومي الخميس والجمعة. وبمحاذاة كورنيش العريش قبالة الساحل، أقام العشرات من الشباب كافيتريات خاصة بهم بعد تأجيرها من مجلس مدينة العريش خلال أشهر الصيف.
كما ساعد قرار السماح لسيارات الأجرة داخل العريش التي تعمل بالغاز الطبيعي بعودة شيء من الحياة لشوارع المدينة، بعد ما أصبح ممكنًا ربط وسطها بالمناطق البعيدة مثل ضاحية السلام والمساعيد وشارع البحر. أيضًا، ساعد استئناف حركة سيارات الأجرة على رواج ملحوظ في المطاعم والكافيتريات التي تقع في تلك المناطق وخاصة المقابلة للشاطئ.
ومؤخرًا أعلن محافظ شمال سيناء فتح بحيرة البردويل فقط أمام الصيادين بداية من السبت المقبل، مع استمرار منع الصيد قبالة ساحل المحافظة بالكامل، تنفيذا لقرار سابق للقوات المسلحة.
تطويق الأحياء وتفتيش المنازل بشكل دقيق وسَحب الهواتف المحمولة من الأهالي، كانت أبرز الإجراءات غير التقليدية التي صاحبت العملية الشاملة.
تركزت حملات التطويق في الأحياء الواقعة على أطراف العريش، والتي كان لأفراد تنظيم «ولاية سيناء» نشاط بها إما بالانسحاب إليها بعد تنفيذ هجمات وسط المدينة أو تنفيذ عمليات اغتيالات لمواطنين وأفراد أمن.
في بعض الأحيان، كان التطويق يستمر لمدة أسبوعين، يتم خلالها تفتيش جميع المنازل والمناطق الفضاء في أوقات مختلفة من قبل فرق أمنية تتبع من جهات مختلفة، وتُسحب خلالها الهواتف المحمولة من جميع السكان في تلك المناطق، ويُلقى القبض على العشرات من رجال الحي، خاصة من فئة الشباب كمشتبه بهم، تم الإفراج عنهم في أوقات لاحقة من أقسام الشرطة ومن المقرات العسكرية التي نُقلوا إليها.
الإجراءات السابقة، التي عرفها سكان العريش قبل العملية الشاملة، أضيف إليها بعد العملية هدم منازل من قالت السلطات الأمنية إنهم مطلوبين أمنيًا فارين، أو آخرين معتقلين. وبعض المنازل أُحرق ومُنع أصحابه من أخذ أغراضهم وأثاثهم. وتركزت عمليات الهدم في منطقة آل أيوب، وكرم أبو نجيلة، والفواخرية، والصفا.
ولكن، مع منتصف يونيو الماضي، توقفت الحملات الأمنية فجأة، حتى المناطق التي استهدفتها الحملات مع بداية يونيو لم يتم سحب الهواتف المحمولة من الأهالي مثل مناطق أبي صقل، والعزبة، وعاطف السادات، وبعدها توقفت الحملات وتوقف معها هدم المنازل، وبدأت أقسام الشرطة في تسليم الهواتف المحمولة للمواطنين.
ومع نهاية يوليو الماضي، فتحت الكمائن العسكرية في مدينة العريش منافذ للسيارات والمارة، مما سهل من الحركة خاصة في الشوارع الرئيسية للمدينة، كان أهمها فتح كمين «الكُنيسة» في شارع 23 يوليو الرئيسي وسط المدينة، وفتح كمين «العتلاوي» في وسط شارع أسيوط.
رغم تخفيف بعض الإجراءات الاستثنائية في المحافظة، لا تزال إجراءات أخرى لم تنته، أهمها استمرار توقف حركة السيارات الخاصة (الملاكي) نتيجة استمرار توقف إمدادها بالوقود باستثناء أصحاب تنسيقات السفر أو الحصول على «بون» حالة مرضية فقط.
كذلك، ما زال أصحاب الحرف اليدوية وعمال اليومية يعانون بشكل كبير، على إثر حالة الركود التي أصابت المحافظة خاصة في مجال المعمار والبناء.
ويعتبر تجار أدوات المعمار والأدوات الصحية والبويات والدهانات، هم الفئة الأكثر تضررًا من العملية الشاملة بسبب منع دخول أدوات ومعدات ومستلزمات لمدينة العريش، أهمها مواتير المياه، والخزانات، وجراكن النفط والتنر التي تستخدم في الدهانات، ومستلزمات خاصة في فئة الدهانات، ما نتج عنه ركود كبير ودفع عدد من كبار التجار لتصفية محلاتهم في العريش ونقلها إلى محافظة القاهرة.
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر
أشترك الآن