نبوءة أحمد خالد توفيق لمستقبل العرب
مجسم صغير للعرب ومشاكلهم في وطن اسمه «شآبيب»
 
 
 

الشُّؤْبُوبُ: الدفعة من المطر

الجمع: شآبيبُ

شآبيبُ المَطَر: القطرات الأولى من المطر

أنزل الله عليه شآبيب رحمته: غمره بعفوه

«شآبيب» هي آخر روايات أحمد خالد توفيق (1962-2018)، والثالثة له التي تدور في المستقبل القریب بعد روايتي «یوتوبیا»، و«في ممر الفئران».

في «شآبيب» يطرح الكاتب العديد من الأفكار المثيرة للنقاش والاهتمام، وخاصة حول «القومية العربية»، ومصير الدول العربية في المستقبل.

في البداية، تستعرض الرواية، شخصياتها بشكل مطول قلیلًا. وبينما تحرص علي تنوعها، فهناك خيط يجمع بينها. فهناك أمینة التونسیة التي تتعرض للاضطهاد العنصري في النرویج؛ وسلیم اللیبي الذي یتعرَّض لعنف عنصري ولكن من اللیبريین، وصولًا لمحمد عدنان المصري الذي یتعرض لاضطهاد سیاسي بدوره من الأجهزة الأمنیة في مصر ما يضطره للهجرة إلى أسترالیا التي یتعرض فیها لاضطهاد عنصري أيضًا.

الروایة محمَّلة بالعدید من الأفكار، فهي تتوقع استمرار صعود الیمین المتطرف عالمیًا، وزیادة العداء للمهاجرین وخصوصًا العرب، ولا یلقي الكاتب اللوم علي عنصریة الغرب فقط، ولكنه یري أن أخطاء العرب من عدم الاندماج والإرهاب هي جزء من المشكلة، كما یتوقع اتجاه الدول العربیة للفشل في حالة الاستمرار في كونها دولًا استهلاكیة تعتمد علي ثرواتها الطبیعیة بالإضافة إلى وجود الدیكتاتوریة والاقتتال الأهلي، وهو ما سوف یؤدي للمزید من الهجرات للغرب، وبالتالي یشجع صعود الیمین المتطرف .

تدور الأحداث في مستقبل قریب، غير محدد بالضبط، تنضب فیه ثروات المنطقة العربیة وتتحول لدول فاشلة، ويتصاعد فیه الیمین العنصري في أوروبا والعالم ضد العرب، في اضطهاد مشابه لاضطهاد اليهود في الماضي. وعند هذه اللحظة، تظهر شخصیة مكرم الأستاذ الجامعي المسیحي العربي صاحب فكرة إنشاء وطن قومي للعرب المهاجرين، في بابوا غینیا الجدیدة، بالقرب من استراليا، ويسميه (شآبیب) حتي یحمیهم من الاضطهاد .

ولحَمل العرب على تبني الفكرة، يبدأ مكرم في خلق الأساطير اللازمة لإقناعهم بوجود تاريخ لهم على تلك الجزر. كما ينجح في إقناع الولايات المتحدة بتبني المشروع.  وإقناع بعض العرب ببدء حياة جديدة هناك، لتنتقل الروایة لفكرة تكوين مجتمع عربي جديد من الصفر وما يصاحب ذلك من آمال وصراعات ومشاكل.

تحاكي الروایة فكرة إنشاء وطن قومي للیهود في إسرائيل عن طريق الاعتماد على الأساطير، وتزييف التاريخ، والاستعانة بالولايات المتحدة للمساعدة كتكفير لذنب اضطهاد اليهود، والتخلص منهم ومن مشاكلهم في نفس الوقت. وتري أن قيام أي جماعة باستيطان أرض جدیدة یؤدي دائمًا إلى قتل أصحاب الأرض الأصليين، واحتلال أراضيهم واخضاعهم للمحتل الجدید وهو ما يعني أن بداية أي دولة بهذا الشكل هي بداية دموية سوف تحمل العنف معها.

كذلك تتناول الروایة معضلة الإسلام السياسي، وما تمثله أفكاره من تأثير على الدولة العربية الناشئة، فبينما یحاول العرب المهاجرون بناء دولة جديدة حديثة تعتمد على العلم والعمل، هناك من يطالب بتطبيق الشريعة ودولة الخلافة و يدعو لعدم الاعتراف بالدولة القائمة، ويحاول اجتذاب بعض المتحمسين، وهو ما یصل في كل مرة لمرحلة الصدام المسلح. أيضًا لن تخلو الجزیرة، وطن العرب الجدید، من المشاحنات العنصریة العربية -العربية، في إشارة لوجود العنصریة بين العرب أنفسهم، وليس فقط من الغرب تجاههم.

في «شآبيب» یمارس أحمد خالد توفيق هوايته في تجريب أشكال من الكتابة داخل الرواية، فهناك الشعر العمودي المكتوب حبًا في الوطن المنتظر، وهناك الشكل المسرحي ممثًلا في مسرحية قصيرة تسمى (الرواد)، تدور أحداثها على السفینة المتجهة لـ«شآبیب»، وتتناقش فیها الشخصیات عن شكل الوطن، بما يظهر اختلاف خلفياتهم، فهناك الهارب من العنصریة، وهناك الباحث عن دولة الخلافة وعودة أمجاد الأمة، وهناك العلماني الذي يرى أن الدين علاقة شخصية بين الفرد وربه،  وأن مشكلة الأمة تكمن في تدينها المفرط. كذلك هناك فصل داخل الرواية من كتاب التاريخ الذي تم تزييفه لإثبات الحق العربي التاریخي في (شآبیب) یحاكي فیه أحمد خالد توفیق الكتب التاریخیة الإسلامیة التي تتحدث عن الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام في المجتمعات الجديدة.

تبدو الرواية مقسمة إلى جزئين رئیسی؛ الأول ويتم فيه التعريف بالأبطال وشخصياتهم وعائلاتهم وظروفهم المختلفة، والثاني مع بدایة تكوّن المجتمع العربي الجدید في (شآبيب)، وهو بطريقة ما، يشبه التناولات الأدبية والفنية المعتادة لفكرة (الإنسان والأرض والجديدة)، بداية من «روبنسون كروزو» و«حي بن يقظان»، وصولًا لأفلام (مثل  «الطائرة المفقودة») أو حتى «Cast Away» . ولكن يبدو أكثر الأعمال الفنية اقترابًا من هذه الرواية هو فیلم «البدایة»، من كتابة لینین الرملي وإخراج صلاح أبو سيف، حيث يطرح الفيلم فكرة بناء مجتمع جدید يضم مجموعة متنوعة من المصریین، كما يحاول الإجابة على أسئلة كيف يمكن أن تنشأ الدیكتاتوریة على أرض جدیدة، وكيف يستغل صاحب رأس المال العمال، ووسائل الإعلام، والدین لتثبيت سلطته.

نتابع أمرًا مشابهًا في «شآبيب»، ولكن الصراع هنا يكون بين (سلیم) الذي یمثل القوة العسكرية وبين المطالبين بتطبيق الشريعة من ناحية، وبين سُكّان الجزيرة الأصليين من ناحية أخرى، وهو ما يؤدي لاستخدام العنف والقتل، ما ينتج عنه مزيدًا من الدماء، لتتحوّل الجزيرة من «الوطن المثالي الجدید» لأرض اقتتال وصراع على السلطة من أجل الوجود.

اهتم أحمد خالد توفيق بالأفكار على حساب الشخصیات، التي تحوّلت ناقلات للأفكار أكثر منها شخصيات من لحم ودم. فسليم هو رمز القوة والانتقام واستخدام العنف، ومحمد عدنان المصري يرمز للمواطن المصري المقهور الحائر بین الإسلاميين والیساریین وغیر القادر علي التغییر، ومكرم الأستاذ الجامعي المقيم في أمريكا يبدو تكرارًا لبدايات القومیة العربیة التي ظهرت مع الشوام المسیحیین، واختيار الدیانة المسیحیة لهذه الشخصية هو تأكيد لفكرة القومیة العربیة التي تجمع بین المسلمین والمسيحيين العرب. لم يغص أحمد خالد توفيق كثیرًا داخل الشخصیات من الناحية النفسية، ولكنه كان أكثر اهتمامًا بأفكارهم وتأثیرها على الآخرين.

كذلك كان هناك الكثير من التمهيد لمرحلة انتقال العرب إلى (شآبيب) باختيار عدة شخصيات من جنسيات مختلفة تعرضت لاضطهادات مختلفة، والتركيز على تفاصيل إقناعهم بتلك الفكرة، بینما شغل الانتقال الفعلي لشآبیب حوالي ثلث الروایة فقط، وهو ما كان یمكن أن یتمّ التركيز علیه بشكل أكبر.

من خلال روايته، يحاول أحمد خالد توفيق، تصوير الصراع القائم في المنطقة العربية بشكل يكاد يكون مجسمًا مصغرًا لما يحدث على أرض الواقع، ومن خلال ذلك يحشو الرواية بالعديد من الرسائل التي تحوي رؤية اجتماعية وسياسية معينة، فالاستمرار بالشكل الحالي من دیكتاتوریة وعنف وتخلف لن يؤدي بالعرب إلا للهلاك، قد يكون هناك دور للغرب في ذلك الفشل،  فهو مستفيد ومستنزِف لثروات العرب، ولكن التغيير الحقيقي لن يأتي إلا من العرب أنفسهم، وذلك بابتعادهم عن خلافاتهم الدائمة عن العنف والقتل ونبذ أفكار التطرف، والإرهاب، والدیكتاتوریة، والتعاون معًا من أجل مستقبل یتعایش فیه الجمیع دون عنصریة أو اضطهاد، وإلا فالبدیل هو أن يستمروا في الدوران في نفس الفَلك، وإعادة الدائرة إلا ما لا نهاية.

اعلان
 
 
محمد يحيى 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن