ما وراء الانتخابات العمالية.. الاستثمار أولًا وأخيرًا
 
 
نقابيون أمام استاد القاهرة في انتظار إعلان قوائم المرشحين - المصدر: »صفحة «الانتخابات النقابية على فيسبوك
 

تنتهي انتخابات النقابات العمالية غدًا، 27 يونيو، بعد إجراء آخر مراحلها بالاقتراع على مجالس إدارات الاتحادات النقابية. ورغم أنها الانتخابات الأولى منذ 12 عامًا، وجرت في ظل قانون جديد (213 لسنة 2017) أنهى نظام احتكار التنظيم النقابي الواحد، إلا أنها لم تسفر عن تغير ملحوظ في مشهد التنظيمات النقابية الذي سيطر عليه الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، الموالي للدولة.

بعد انتهاء انتخابات المستوى النقابي الأول، اللجان النقابية، في 31 مايو الماضي، قال وزير القوى العاملة، محمد سعفان، إن «نسبة التغيير في القواعد النقابية تصل إلى 80%». لكن تقريرًا لدار الخدمات النقابية والعمالية حول انتخابات هذا المستوى، طرح شكوكًا حول تصريحات الوزير.

رصد التقرير تمكن 108 لجان نقابية مستقلة (عن الاتحاد العام) فقط من توفيق أوضاعها بحسب القانون الجديد، كذلك استبعدت الوزارة الآلاف من راغبي الترشح بدون أسباب معلنة أو لأسباب بيروقراطية أو أمنية، كما تم القبض على بعضهم. ثم جاءت نتائج انتخابات المستوى النقابي الثاني، النقابات العامة، التي انتهت الإثنين الماضي، لتطرح المزيد من الشكوك. 14 نقابة عامة من أصل 27، لم تُجر بها انتخابات سواء على مستوى عضوية مجالس إداراتها أو رئاساتها، وتم اختيار الأعضاء والرؤساء بالتزكية. تم انتخاب أعضاء مجالس إدارات أربع نقابات عامة، وأُختير رؤسائها بالتزكية. تم انتخاب رئيسي نقابتين عامتين، وأُختير أعضاء مجلسي إدارتهما بالتزكية. سبع نقابات عامة فقط جرت فيها انتخاب أعضاء مجالس إداراتها ورؤسائها، بحسب تقرير لدار الخدمات.  

في تقرير سابق لـ «مدى مصر»، قالت الناشطة العمالية، فاطمة رمضان، إن «الدولة مش عايزة حد يتنظم، قانون النقابات العمالية ده طلع لمغازلة منظمة العمل الدولية فقط، لكنه بيحط شروط صعبة وتضييق على حق التنظيم. ومع ذلك الناس حاولت تلتزم بالقانون عشان يوفقوا أوضاعهم، فكان الرد التلكيك وسحب ملفاتهم أو شطبهم».

ويقول كمال عباس، مدير دار الخدمات، لـ «مدى مصر» إن إجراء الانتخابات النقابية جاء فقط بسبب تعهد من الحكومة لمنظمة العمل الدولية، «لكن الحكومة ما تهمهاش الحريات النقابية». ويوضح: «مصر كانت عايزة تخش برنامج (العمل الأفضل)، بمنظمة العمل الدولية، عشان الاستثمار، والبرنامج بيفرض على الدول المشتركة إنها تلتزم بمعايير العمل، ومن ضمنها الحق في تكوين نقابات.. مصر كان عندها مشكلة إن قانونها قديم ومتناقض مع اتفاقيات العمل اللي مصر موقعة عليها، فكان لازم تطلع قانون جديد»، مضيفًا أن اسم مصر قد وضع عدة مرات في القوائم السوداء لمنظمة العمل الدولية، خلال السنوات القليلة الماضية.

ما وراء الانتخابات

في تقرير البنك الدولي الخاص بالحوكمة لسنة 2016، تحسنت مصر قليلًا في مؤشرات السيطرة على الفساد وكفاءة الحكومة والاستقرار السياسي وحكم القانون، ولكن تراجعت في مؤشري الجودة التنظيمية والمحاسبية، وفي فبراير 2017 نفسه أبلغت شركة والت ديزني الأمريكية الحكومة المصرية بوقف استيراد المنسوجات من 28 شركة مصرية، وهي الصادرات التي تبلغ 150 مليون دولار في العام، وذلك بسبب تقرير البنك الدولي بالإضافة إلى عدم انضمام مصر إلى برنامج «العمل الأفضل» الخاص بمنظمة العمل الدولية.

يهدف برنامج «العمل الأفضل» إلى تحسين ممارسات الشركات بناء على معايير منظمة العمل الدولية وقوانين العمل المحلية، والتي تتضمن تحسين ظروف العمل والعمال، وتحسين القدرة التنافسية للشركات.

أثار الأمر قلق الحكومة المصرية، ليس فقط بسبب الخسائر التي ستنتج عن وقف الصادرات للشركة العالمية، والتي تعد ضمن اتفاق «الكويز» الذي يسمح لمصر بتصدير المنسوجات للولايات المتحدة الأمريكية شرط إدخال مكون إسرائيلي بنسبة 10.5%، ولكن أيضًا بسبب تأثير ذلك على الاستثمارات الأخرى، لذلك بدأت المفاوضات مع منظمة العمل الدولية. وفي مايو 2017 أعلن طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة، أنه بداية من يونيو ستنضم مصر لبرنامج «العمل الأفضل» بالتعاون مع منظمة العمل والمجلس التصديري للملابس الجاهزة، لمدة ستة أشهر، على أن يبدأ البرنامج بقطاع الملابس الجاهزة.

وفي يوليو، أعلن قابيل رفع الشركة الأمريكية الحظر عن الصادرات المصرية، وقبل نهاية الستة أشهر، وافق البرلمان على قانون المنظمات النقابية، والذي كانت الحكومة قد أحالته للبرلمان بداية 2017.  وفي مارس من العام الحالي، أعلن برنامج «العمل الأفضل» مد التعاون التجريبي مع مصر حتى نهاية العام، بعدها يتقرر إذا كانت ستدخل مصر بصفة دائمة في البرنامج، فيما يبدو أنه كان استجابة لمحاولات الحكومة المصرية لاتباع معايير العمل الدولية.

وبرنامج «العمل الأفضل»، هو برنامج تعاوني بين منظمة العمل الدولية والوكالة الدولية للتمويل، التابعة للبنك الدولي، يعمل في سبع دول، في قطاع النسيج، ويهدف الى تحسين القدرة التنافسية للقطاع، بالإضافة إلى تحسين ظروف العمل واحترام حقوق العمال. وفي مصر، كان البرنامج التجريبي للعمل الأفضل بناء على طلب الحكومة المصرية بحسب الموقع الرسمي للبرنامج، ويهدف لتجربة مدى نجاح البرنامج في تحسين ظروف العمل والقدرة التنافسية في قطاع النسيج التصديري المصري.

«القائمة السوداء»

في 2008 قررت منظمة العمل الدولية إضافة اسم مصر إلى قائمتها السوداء للدول الأكثر انتهاكًا للحقوق النقابية، وذلك بسبب فشلها في تحقيق التزاماتها الدولية وفقًا لاتفاقية 87 للحرية النقابية وحماية حق التنظيم في ما يتعلق بضمان الحريات النقابية وإصدار قانون جديد للنقابات، وهو القرار الذي جددته المنظمة مرة أخرى في 2010.

فتحت ثورة يناير 2011 الباب أمام فرص كبيرة. في 12 مارس 2011، أصدر وزير القوى العاملة وقتها، أحمد البرعي، قرارًا بحق العمال في تأسيس نقاباتهم المستقلة بمجرد إيداع أوراقها في الوزارة كخطوة مؤقتة لحين سن قانون جديد. وسمح القرار بتأسيس المئات من النقابات المستقلة على مدار الشهور التي تلته. كما أقر مجلس الوزراء مشروع قانون جديد للتنظيمات النقابية قدمه البرعي، وقررت منظمة العمل الدولية على إثر ذلك رفع اسم مصر من قائمتها السوداء في يونيو 2011، لكن المجلس العسكري -الذي كان يحكم مصر وقتها- رفض إصدار القانون. وفي أغسطس 2011، أصدر البرعي قرارًا بحل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر امتثالًا للأحكام القضائية، وتشكيل لجنة مؤقتة ﻹدارته، وذلك حتى إجراء انتخابات. وخلال اﻷعوام التالية، تعددت مشاريع قوانين تنظيم النقابات العمالية دون إقرار أي منها، وهو اﻷمر الذي تسبب في إعادة مصر إلى القائمة السوداء مرات عدة منذ 2013.

وفي مايو 2017، أرسلت لجنة تطبيق المعايير في منظمة العمل الدولية وفدًا لزيارة مصر، بناءً على دعوة مصرية. ونقلت صحيفة «المصري اليوم» عن مصادر داخل وزارة القوى العاملة أن دعوة الوفد لزيارة مصر محاولة أخيرة من الحكومة لعدم وضع مصر بالقائمة السوداء خلال المؤتمر السنوي للمنظمة. وقدم الوفد ملاحظاته على عدد من القوانين ومن بينها قانون التنظيمات النقابية المقترح. لكن المحاولة لم تنجح. وخلال مؤتمرها السنوي، في يونيو من نفس العام، قررت منظمة العمل الدولية أدراج مصر على القائمة السوداء مجددًا.

في تقرير منظمة العمل الدولية الصادر في يونيو 2017، بعد عقدها المؤتمر السنوي الدولي، وبناء على إدراج مصر مبدأيا على قائمة الدول التي تنتهك اتفاقيات خاصة بالعمل، قالت اللجنة المختصة بتطبيق المعايير، والتي صدقت على وجود مصر في القائمة، بعد مناقشة ممثلي الحكومة المصرية وممثلي منظمات دولية عمالية ودول أخرى، أنها تشعر بالأسف لوجود تناقضات بين مشروع القانون -حينها- ومواد الاتفاقية الخاصة بالحريات النقابية «87»، وطالبت اللجنة أن يتسق مشروع القانون الجديد مع الاتفاقية خاصة فيما يتعلق بضمان عدم احتكار اتحاد واحد للتنظيم النقابي، كما أكدت على ضرورة أن تضمن الحكومة المصرية أن يكون من حق كل النقابات العمالية ممارسة أنشطتها واختيار مسؤوليها بحرية كاملة، سواء في «القانون أو الممارسة»، وبالاتساق مع الاتفاقية 87.

تنص الاتفاقية الدولية للحرية النقابية وحماية حق التنظيم  رقم 87، والتي صدرت في العام 1948، ودخلت حيز التنفيذ في العام 1950، بينما وقعت عليها مصر في عام 1957، في المادة 11 على أن «تتعهد كل دولة عضو في منظمة العمل الدولية تسري فيها هذه الاتفاقية باتخاذ كل التدابير اللازمة والمناسبة لضمان ممارسة العمال وأصحاب العمل حقهم في التنظيم بحرية».

بعد زيارة وفد من لجنة تطبيق المعايير خلال نوفمبر 2017، أبدت عددًا من الملاحظات على مسودة القانون آنذاك بعضها إيجابي بشأن معالجة المسودة للتحفظات التي كانت اللجنة قد عبرت عنها في اجتماعها مع الحكومة المصرية في العام السابق، كسيطرة الاتحاد العام، واشتراط الحصول على موافقته لتنظيم إضراب، فيما عبرت اللجنة عن قلقها من عدم السماح للعمال بالانضمام لأكثر من نقابة، وتحفظت أيضًا على عقوبة الحبس، وعلى التدخل في شؤون التنظيمات النقابية فيما يخص مصادر التمويل، خاصة لو كانت أجنبية أو دولية، وجددت مطالبتها بتطبيق القانون بالاتساق مع الاتفاقية الخاصة بالحريات النقابية. وفي يونيو الماضي صدرت القائمة النهائية للدول الأكثر انتهاكًا للحريات النقابية خالية من اسم مصر.

وفي ديسمبر 2017، وافق البرلمان على قانون النقابات العمالية متضمنًا الكثير من المواد التي سبق وتحفظت عليها منظمة العمل، مثل المواد المتعلقة بالحبس في حال مخالفة أحكامه؛ والتي من بينها تأسيس تنظيمات نقابية دون الشروط الرسمية، بالإضافة إلى اشتراط القانون أعدادًا مبالغ فيها لتأسيس المستويات النقابية المختلفة.

يقول مدير دار الخدمات النقابية أنه تم رفع اسم مصر من قائمة الحالات الفردية «القائمة السوداء» برغم أن القانون الجديد أيضًا «يتعارض مع الاتفاقية الدولية رقم 87، وبرغم الانتهاكات التي حدثت بالانتخابات»، الأمر الذي تعجب منه خبراء بالمنظمة قابلوا عباس، حسب قوله. يفسر عباس الأمر بتراجع دور منظمة العمل الدولية وغياب أي دور رقابي أو محاسبي  لها، فهي الآن مساحة للتفاوض والمساومة والضغط ، كما أنها عبر السنوات أعطت مصر أكثر من فرصة ورفعتها من القائمة بناء على وعود من الحكومة المصرية تخص تحسين وضع العمال وعلاقات العمل، وبناء عليه قبلت المنظمة العام الماضي ضم مصر تجريبًيا إلى برنامج «العمل الأفضل»، والذي يضم شركاء دوليين من بينهم شركات عابرة للقارات لها استثمارات في مصر كشركة والت ديزني، بحسب عباس، الذي يرى أن هناك احتمال قائم لعودة مصر مجددًا إلى القائمة العام المقبل إن لم تنفذ وعودها.

يعزز من رأي عباس تقرير الاتحاد الدولي للنقابات العمالية الصادر في 2018، الذي صنف مصر ضمن أسوأ عشرة دول فيما يتعلق بحقوق العمال. أشار التقرير إلى وجود قمع حكومي، وتمييز واعتقالات جماعية للعمال، وضم التقرير أمثلة شملت اعتقال تسعة قياديين عماليين من هيئة الضرائب العقارية لمدة شهر في سبتمبر 2017، بتهم من ضمنها التحريض على الإضراب والانضمام لجماعة مخالفة للقانون، وذلك بعد دعوتهم للاعتصام السلمي. وذكر التقرير أيضًا أنه في يونيو 2017 حكم على 32 موظفة في شركة أسمنت طره بالسجن ثلاث سنوات بتهمة التظاهر، بعد أن نظمن اعتصامًا في الشركة بسبب عدم تنفيذ حكم المحكمة بمنحهن عقودًا دائمة لعملهم في الشركة بين 5 إلى 10 سنوات، لاحقًا تم تخفيف حكم السجن إلى شهرين.

حاول «مدى مصر» التواصل مع منظمة العمل الدولية للتعقيب على موقفها من مصر بعد إصدار القانون وإجراء الانتخابات وما شابها من تجاوزات، والمشاركة في برنامج «العمل الأفضل»، لكن أحدًا من مسؤوليها لم يرد على استفسارتنا.

حدث في الانتخابات

قبل يومين من التصويت في المرحلة الثانية من انتخابات اللجان النقابية، والتي جرت في 31 مايو الماضي، فوجئ 27 من أصل 126 من راغبي الترشح للجنة النقابية للعاملين بشركة الحديد والصلب بحلوان باستبعادهم من قائمة المرشحين، ما أثار غضبهم فقرروا الاعتصام بمقر الشركة، قبل لجوئهم للطعن على استبعادهم غير المسبب.

السيد سعد الدين، الذي يعمل بالشركة منذ 39 عامًا، كان من ضمن المستبعدين، وكان قد ترشح لرئاسة اللجنة النقابية، بينما قبلت وزارة القوى العاملة أوراق منافس له خرج على المعاش في ديسمبر الماضي، وتم تجديد عقده لمدة عام، ليفوز اﻷخير بالفعل برئاسة اللجنة، بالتزكية، بعد استبعاد باقي المرشحين، حسبما قال سعد الدين لـ «مدى مصر».

حين ذهب المرشحون المستبعدون لتقديم الطعون في اﻷماكن المقررة لذلك باستاد القاهرة، منعتهم الشرطة من مقابلة أي موظف بالوزارة، فاضطروا لتسليم أوراقهم ﻷحد المجندين، ولم يستطع سعد الدين، الذي ظل حتى ليلة الانتخابات في الاستاد، الحصول على أي رد رسمي على طعنه، أو ورقة رسمية تفيد استبعاده، حتى رحل فجر يوم الانتخابات من استاد القاهرة، بعد أن هددته الشرطة هو وآخرين مستخدمة الكلاب البوليسية، حسبما أوضح.

ما حدث مع سعد الدين وزملائه تكرر مع عاملين في قطاعات أخرى في مرحلتي الانتخابات العمالية في اللجان النقابية.

بحسب تقارير صحفية، تقدّم 20 ألف و87 عاملًا بطلبات ترشح للجان النقابية في المرحلة الأولى للانتخابات، منها 17 ألف 974 طلب ترشح لعضوية مجالس إدارات اللجان، فضلًا عن 2113 طلب ترشح لرئاسة 1191 لجنة من إجمالي 2114 لجنة نقابية وفّقت أوضاعها، لكن الوزارة لم تعلن عن عدد المرشحين بالمرحلة الثانية.

تشابهت قصص الاستبعادات والانتهاكات مع مرشحين عدة. فتحي مرسي، يعمل بشركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية، وكان قد شغل منصب أمين صندوق اللجنة النقابية بشركته من 2015 وحتى 2018، قال لـ «مدى مصر» إنه تقدم للترشح على رئاسة لجنته. وقبل يومين من موعد التصويت علموا أن ملفات 14 مرشحًا من أصل 53، بينهم مرسي، فُقدت، رغم أن جميع المرشحين قدموا أوراقهم بشكل جماعي، وحصلوا على إيصال جماعي بالاستلام. تقدم مرسي بطعن على استبعاده، وبعد الطعون وجد اسمه كمرشح على عضوية اللجنة وليس رئاستها، وفوجئ صبيحة يوم الانتخابات بزملائه يهنون أحد المرشحين بفوزه برئاسة اللجنة بالتزكية. اتهم مرسي المرشح الفائز بأنه موالي للاتحاد العام.

أما أحمد قاسم، والذي يعمل بشركة النصر لصناعة الكوك بحلوان منذ عام 2005، وله تاريخ من المشاركة بالاعتصامات والإضرابات بشركته سعيًا وراء حقوقه وحقوق زملائه، أخبر «مدى مصر» أنه تم استبعاده من الترشح لعضوية لجنته النقابية «لأسباب أمنية»، على حد قوله، مشيرًا إلى أن «الشركة لا تريد أشخاص حريصين على حقوق العمال». من بين 45 راغبًا في الترشح، استبعدت وزارة القوى العاملة قاسم وأربعة آخرين، ولأن الكشوف النهائية لأسماء المرشحين لم تعلن، علم قاسم بطريقة غير رسمية باستبعاده ليلة الانتخابات، فلم يتمكن حتى من تقديم طعن. «أنا وزمايلي المستبعدين لينا شعبية في الشركة عشان بنسعى لحقوق الناس، عشان كده استبعدونا، أنا لقيتهم شايلين الفيش الجنائي من ملفي، رغم إن فيشي الجنائي سليم، ودلوقتي أنا ما قداميش غير القضاء»، يقول قاسم.

لم تكن الاستبعادات فقط لأسباب أمنية. جمال الزمر، والذي كان عضوًا بالحزب الوطني المنحل، وشغل منصب نائب رئيس النقابة العامة لعمال التجارة لمدة 18 عامًا، وكان قد تقدم بأوراق ترشحه لرئاسة اللجنة النقابية بشركة النيل للمجمعات الاستهلاكية، لكنه لم يجد اسمه في كشوف المرشحين، وهو ما حدث مع 44 آخرين، اتفق الزمر مع زملائه على الامتناع عن التصويت. ثم تقدم الزمر وزملائه بطعون على استبعادهم، وتقرر إعادة إجراء الانتخابات في السادس من يونيو، لكنه حين راجع كشوف المرشحين الجديدة لم يجد اسمه مجددًا، وهو ما حدث مع 24 آخرين، ووجهتهم اللجنة المشرفة على الانتخابات للجوء إلى القضاء. كان الزمر قد أقام بالفعل دعوى أمام محكمة الأمور المستعجلة ضد استبعاده، تحدد يوم 19 يونيو للنظر فيها، أي بعد موعد إجراء الانتخابات.

محمد عفيفي، استطاع الترشح لعضوية اللجنة النقابية للعاملين بالموارد البشرية في الشركة المصرية للاتصالات، لكنه واجه مشكلة أخرى. ففي يوم الانتخابات، خلت كشوف الناخبين من نصف من لهم حق التصويت، «كل ما واحد ييجي يصوتلي ما يلاقيش اسمه، وحطوا أسامي الناس اللي في لجنتي في لجان تانية، ومكانش فيه مستشار في اللجنة أروح اشتكيله، كان في بس ممثل عن وزارة القوى العاملة».

في مؤتمر نظمته دار الخدمات للتعقيب على الانتخابات، والذي تضمن رصد عدد من العمال الانتهاكات التي جرت بلجانهم، قال كمال عباس إن هذه الانتخابات لا يمكن وصفها بالنزيهة، وأنها أسوأ انتخابات عمالية شهدتها مصر، وصنف الانتهاكات في عدة نقاط أساسية وهي «الاستبعاد للتحكم في النتيجة، تصفية الحسابات لصالح الاتحاد العام، الوقت الضيق جدًا لتوفيق الأوضاع، عدم حيادية اللجنة المشرفة على الانتخابات أو استقلالها لضمها ممثل عن وزارة القوى العاملة والاتحاد العام لعمال مصر (الحكومي)، تأخر قوائم المرشحين والذي فوت الفرصة على تقديم الطعون، تأخر فتح اللجان أيام التصويت، ووصول أوراق غير مختومة، بالإضافة إلى انتهاكات بالفرز الذي جرى بدون السماح لمندوبي المرشحين بالتواجد».

الانتخابات على مستوى النقابات العامة لم تخل أيضًا من الانتهاكات. أورد تقرير لدار الخدمات النقابية العديد من الأمثلة لنقابيين تعرضوا للاستبعاد من بينهم ماجدة إبراھیم، التي تقدمت بأوراق ترشحها لمقعد رئيس النقابة العامة للعاملين بالضرائب والجمارك والمالية، إلا أنها فوجئت باختفاء اسمها من عضوية الجمعية العمومية لنقابتها، ما دفعها  لتحرير محضر إداري بتاریخ 4 یونیو، رقم 1573 ضد رئيس مجلس إدارة النقابة العامة، مجدي شعبان، تتھمه فیه بإخفاء أوراق عضویتھا بالجمعیة العمومیة للنقابة. وحررت إبراهيم محضرًا آخر بتاریخ 11 یونیو حمل رقم 108 تتھم فيه رئيس النقابة بتزویر بيانات الجمعیة العمومیة والتلاعب بھا لصالحه، وذلك قبل أن تُقبل أوراقھا في النھایة كمرشحة لرئاسة النقابة العامة.

ويستنتج التقرير: «تدعي الحكومة أن ھناك جدیدًا على الأرض لتخرج من القائمة السوداء لمنظمة العمل الدولية التي ستحرمھا من فرص التواجد في برنامج العمل الأفضل الذي یتیح فرصًا استثمارية أفضل للدولة، لكنھا في الواقع بدلًا من علاج الوضع تتحایل لإعادة إنتاج المسببات التي أدت لوجودھا في القائمة السوداء بالأساس».

ومع ذلك قال عباس لـ «مدى مصر» أن ما جرى «جيد»، مفسرًا: «العمال دلوقتي لازم يؤسسوا نقاباتهم المستقلة، ويحموا حقهم الدستوري، ويطلعوا من النقابات التابعة للحكومة».

تنَصّ المادة 76 من الدستور على أن «إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم, وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى، ولا يجوز إنشاء أى منها بالهيئات النظامية».

حاول «مدى مصر» الحصول على تعقيب من المتحدث الرسمي لوزارة القوى العاملة، لكن لم يجب على اتصالاتنا أو رسائلنا حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

اعلان
 
 
هدير المهدوي 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن