حوار مع «حبر»| «احتجاجات الأردن».. الطبقة الوسطى تدخل خط المواجهة‎
حول الإضراب والحراك الرافض لفرض ضرائب جديدة وزيادة أسعار الوقود
 
 
 
لافتة احتجاجية من المظاهرات المصاحبة لإضراب الأردن رفضًا لفرض ضرائب جديدة وزيادة الأسعار - المصدر: موقع حبر
 

تسارعت وتيرة الأحداث في المملكة الأردنية الهاشمية، فبعد إحالة الحكومة لمشروع قانون ضريبة الدخل إلى مجلس النواب قبل أكثر من 10 أيام، دعت النقابات المهنية إلى إضراب عام، الأربعاء الماضي، شاركت فيه 33 نقابة محلية وشمل كل محافظات البلاد والآلاف من المواطنين الذين تظاهروا في عمان أمام مجمع النقابات المهنية. كما أغلقت عدة محال أبوابها بالتزامن مع الإضراب الذي رفع مطلب سحب القانون من البرلمان. فيما جاء رد الحكومة الأردنية في اليوم التالي، الخميس، بالإعلان عن رفع أسعار الوقود بنسبة تتراوح بين 4.7% و5.5%، لتنطلق الاحتجاجات من نقاط عديدة في عمان، وخارجها شمالًا وجنوبًا.

ورغم رد الفعل السريع من الحكومة التي أعلنت إلغائها قرار رفع أسعار الوقود أمس، الجمعة، بـ «إيعاز من الملك» كما جاء في بيانها، إلا أن الاحتجاجات استمرت ضد السياسات التقشفية التي تنتهجها حكومة هاني الملقي خلال السنوات الماضي. كما دعت النقابات المهنية إلى إضراب عام آخر، الأربعاء المقبل، وذلك بعد إصرار الحكومة على عدم سحب القانون من البرلمان، ما قد يدفع لأخذ الإضراب لمنحى آخر هذه المرة برفع مطلب إقالة الحكومة.

الاحتجاجات تتجاوز مجرد تعديل قانون الدخل، فخلال السنوات الثلاثة الماضية، تسارعت وتيرة الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي بغرض الحصول على قروض جديدة، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة تجاوز فيها الدين العام 35 مليار دولار. فزيادة أسعار الوقود هي الخامسة منذ بداية العام، كما أن أسعار الكهرباء زادت أكثر من مرة خلال الأعوام السابقة. ورفعت الحكومة، في مطلع العام الحالي، الدعم عن الخبز، فضلًا عن فرض ضرائب جديدة على العديد من السلع والمواد بهدف خفض الدين العام. كما تخضع معظم السلع والبضائع بشكل عام في الأردن لضريبة مبيعات قيمتها 16 بالمئة إضافة إلى رسوم جمركية وضرائب أُخرى تفوق أحيانًا 3 أضعاف قيمة الأسعار الأصلية للسلع.

أجرينا هذا الحوار مع الصحفي الأردني بموقع «حبر» شاكر جرّار، الذي تابع الاحتجاجات ورصد لنا أهم ملامحها. ويركز حوارنا على فهم الفئات الاجتماعية التي شاركت في الحراك الحالي، وأسباب انضمام قطاعات جديدة للمحتجين، فضلًا عن كشف دور النقابات المهنية، ومستقبل الاحتجاجات في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.

احتجاجات الأردن من تغطية موقع حبر - المصدر: من تغطية موقع حبر

مدى مصر: من متابعتك أي الفئات شاركت في الحراك خلال اليومين الماضيين؟ وكيف يمكن وضع ذلك في سياق أوسع اجتماعيًا وسياسيًا؟

حبر: بالنسبة للإضراب فقد بدأ، الأربعاء الماضي، بعدما دعت النقابات المهنية للمشاركة به. وأعلنت 33 نقابة محلية مشاركتها في التوقف عن العمل. وكان مطلب الإضراب هو التراجع عن مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل. القانون يمسّ بشكل رئيسي الطبقات الوسطى ورؤوس الأموال الصغيرة والشركات، ويرى اقتصاديون أنه سينعكس سلبًا على الفقراء. غير أن تأثيره المباشر سينصب على تلك الفئات الثلاثة.

صعب نحكي عن الطبقة الوسطى ككتلة واحدة واضحة المعالم دون تمايز، ولذلك شهدنا في الإضراب تباينات كبيرة في مشاركة الطبقة الوسطى بشرائحها الواسعة. على سبيل المثال، هناك فرق بين مشاركة القطاع الطبي العام ومشاركة نظيره الخاص. كانت مشاركة القطاع الطبي العام واسعة جدًا بين الممرضين والأطباء والإداريين في المستشفيات العامة الحكومية، بينما في المستشفيات الخاصة جاءت المشاركات في الإضراب على خجل واستحياء، رغم أن القانون يمسّهم.

بالنسبة للمهندسين، هذه مشاركتهم الأولى بهذا الشكل الواسع. فقد غابوا لفترة طويلة عن الإضرابات بحكم واقعهم الطبقي، وحقيقة أن نقابة المهندسين كان الإخوان المسلمين يسيطرون عليها لمدة حوالي 15 أو 20 سنة.

الإخوان المسلمين في علاقتهم مع النظام ومعارضتهم له، كانوا يلجأون للطبقات الشعبية والفقيرة لتحريضهم للنزول إلى الشارع أكثر من لجوئهم للمهندسين والطبقات الوسطى. وكان دور الطبقات الوسطى والمهندسين داخل الإخوان المسلمين هو العمل السياسي المباشر، مثل مناهضة التطبيع مع إسرائيل والعمل على دعم القضية الفلسطينية، بينما العمل المحلي المرتبط بالاقتصاد كان دائمًا المحرّك الأساسي له الفقراء.

ما أريد قوله، إن الملفت في قانون ضريبة الدخل أنه يوضح أن النظام السياسي أدرك أنه لم يعد من الممكن الحصول على أي شيء إضافي من الفقراء. من سنة 1989، مع بداية العلاقة مع صندوق النقد الدولي وحتى اليوم، كان الفقراء والعمال هم مَن يدفعون ثمن هذه السياسات؛ بداية من 1989 مرورًا بالموجة الكبرى من خصخصة القطاع العام في 2001 انتهاءً بموجة رفع الأسعار بعد الحراك السياسي في 2013 و2014. طوال هذه الفترة دفع الفقراء ثمن هذه السياسات بشكل مباشر. لكن هذه هي المرة الأولى التي تصبح هناك مواجهة واضحة بين النظام السياسي والطبقات الوسطى بهذا الشكل، على طريقة: «أنا جاي وبدي آخد مصاري» .

اعتدنا هذا الشكل من الاستهداف المباشر مع الفقراء، وهم خاضوا معارك طويلة من 1989 لليوم ضد هذه السياسات. على سبيل المثال، خاضت الحركة العمالية معارك منعزلة طويلة جدًا ضد بيع موارد البلد وخصخصة القطاع العام ورفع أسعار المحروقات في 1989 و1996 و2006 و2010. وخلال هذه المعارك، تُركت الحركة العمالية وحدها. لذلك تمكن النظام بعد 2011 و2012 من الانفراد بقيادات هذه الحركة وضربها بشكل قوي.

مشاركة الطبقات الوسطى في الحراكات السابقة كانت بصورة فردية، ولم تأت مشاركتها كقطاعات واضحة لها مطالبها. ولذلك نقول إن هذه هي المرة الأولى التي تشارك الطبقة الوسطى بشكل واضح ضمن أُطر تنظيمية لها علاقة بالنقابات المهنية من مهندسين وأطباء ومحامين لترفع مطالب خاصة بهم بشكل ملفت للانتباه.

من تغطية موقع حبر لاحتجاجات الأردن - المصدر: موقع حبر

مدى: القرارات الأخيرة، سواء رفع أسعار الوقود أو تعديل ضريبة الدخل، ليست الأولى.. هل يمكن أن تعطينا فكرة عامة سريعة عن مجمل الإجراءات التقشفية الأخيرة وكيف أثرت على المواطن؟

حبر: من سنة 2016، بدأ النظام السياسي يتعامل بأريحية مع رفع الأسعار. وهذا النظام السياسي يعيش على ما يسمى «الحرب على الإرهاب». وكانت هناك حالة خوف شديدة لدى الناس من الإرهاب و(تنظيم) «داعش» ومما يحدث في المنطقة؛ وتحديدًا مصر وسوريا، وهو ما استغله النظام السياسي واتخذ إجراءات عديدة لرفع الأسعار. كانت فرصة تاريخية للنظام السياسي، وهو ما لم يكن متوفرًا له في 2011 و2012. من سنة 2016، رفعت حكومة هاني الملقي سعر البنزين 6 أو 7 مرات، زاد من ضريبة المبيعات وجعلها تستهدف شرائح أوسع من السلع، رفع الدعم عن الخبز، ثم زادت أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي أيضًا، وفرض ضرائب جديدة على نحو 150 سلعة أساسية. نتحدث عن اتخاذ قرارات اقتصادية ضخمة جدًا تمسّ حياة الناس خلال سنتين فقط. لم يكن ممكنًا للنظام السياسي القيام بهذه الإجراءات، إلا خلال هذه الفترة، معتمدًا على الخوف من الإرهاب و«داعش» والخوف من مصير سوريا ومصر.

مدى: هل هناك أرقام أو إحصائيات توضح التأثير المباشر لهذه القرارات مثل عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر أو معدلات التضخم؟

حبر: الملفت للانتباه أن الدولة الأردنية توقفت عن الاهتمام بإصدار مثل هذه الإحصائيات، وآخر تقرير رسمي صدر متضمنًا لإحصاءات عن الفقر كان تقريبًا منذ 8 سنوات. لكن هناك مؤشرات، على سبيل المثال في هذا الإضراب الأخير، قطاعَيّ الملابس والإلكترونيات من أكثر القطاعات التزامًا بالمشاركة. والسبب الواضح والمباشر هو تدني القوة الشرائية لدى الناس.

مدى: تراجعت الحكومة بـ «إيعاز من الملك» عن قرار رفع أسعار الوقود بعد يوم واحد من اتخاذ هذا القرار، فهل تتوقع أن تسحب تعديلات ضريبة الدخل المطروحة الآن في البرلمان؟

حبر: لا أتوقع أن تتراجع الحكومة عن قانون ضريبة الدخل. التراجع عن رفع أسعار الوقود أسهل من سحب قانون ضريبة الدخل، الذي بدأ الحديث عنه منذ 3 سنوات. يصدر صندوق النقد الدولي كل عام تقريرًا عن أوضاع الاقتصاد في الأردن. في 2016، بدأ الحديث عن تعديل القانون في عام التالي، وهو ما لم يحدث وقتها. صندوق النقد الدولي كان يطالب بشكل واضح بتعديل القانون لتوسيع الشرائح التي تدفع ضرائب على الدخل (عن طريق تقليل حد الإعفاء الضريبي) منذ عام 2016. وكل عام يتمّ الضغط على الأردن لتعديل القانون. والحكومة كانت متخوفة من ذلك التعديل، حتى أنها أجلته في عام 2016 لما بعد انتهاء الانتخابات النيابية، لأن النظام السياسي يدرك أن القانون لن يمر بسهولة. غير أنه في الوقت نفسه، هناك ضغط على الحكومة من الدائنين وصندوق النقد الدولي بسبب الديون غير المسددة. فالنظام في مأزق، ولا أظن أنه سيتراجع عن هذا القانون، إلا بحالة شعبية واسعة تجبره على ذلك.

مدى: هل تتوقع أن تتسع الاحتجاجات في الفترة المقبلة بما يؤدي إلى إجبار الحكومة على التراجع عن تعديل قانون ضريبة الدخل؟

حبر: لا يمكنني التوقع. النظام كان ذكيًا في التراجع عن رفع أسعار الوقود. وأظن أن الأمر كان بالونة اختبار إلى حد كبير لرؤية رد فعل الناس، الذي كان سريعًا للغاية. الملك أدرك خطورة الأمر، فضلًا عن أن الاحتجاجات يمكنها أن تتسع بشكل أكبر، فخرج في اليوم التالي لإلغاء قرار رفع الأسعار. في اعتقادي، أن الناس لن تعود بسهولة إلى بيوتها. ستستمر الحالة، لكن لا أعتقد أن تتوسع أكثر من ذلك.

مدى: النقابات المهنية دعت لإضراب الأسبوع الماضي، وهددت بآخر يدعو لإسقاط الحكومة إذا لم تسحب قانون ضريبة الدخل، هل  النقابات المهنية مستقلة، وتقدر على حسم ذلك الصراع، في مواجهة حكومة مأزومة بسبب الديون؟

حبر: النقابات المهنية في الأردن مرت بعدة مراحل، أهمها عندما فرضت الأحكام العرفية في البلاد بعد حرب 1967، ومُنع العمل الحزبي. في هذه المرحلة، لجأت الأحزاب السياسية للعمل من خلال النقابات المهنية. وفي هذه الفترة لعبت النقابات المهنية دور سياسي هام، وهو الأمر الذي يطرح البعض وجود إشكاليات به تخص تقاطع الدور السياسي مع المهني، لكن هذا موضوع آخر.

بعد عودة العمل السياسي سنة 1989، كانت مجمل النقابات المهنية، وأهمها نقابة المهندسين التي تضم 150 ألف مهندس، ونقابتي الصيادلة وأطباء الأسنان، مسيطر عليها من قِبل الإخوان المسلمين. وكما حكيت في البداية، الإخوان المسلمين كانوا يعملون من خلال النقابات المهنية بالعمل السياسي المباشر، وبشكل أساسي على قضايا مناهضة التطبيع مع إسرائيل ودعم فلسطين وقضية العراق. فكانت معظم القضايا التي تعمل عليها النقابات المهنية عربية أو «فوق وطنية»، بينما عمل الإخوان المسلمين على القضايا المحلية خارج النقابات من خلال جمهورهم الواسع في الأحياء والمناطق الشعبية.

الأمر الجديد، أنه قبل شهر من الآن تقريبًا نُظمت انتخابات في نقابة المهندسين، وهي النقابة الأكبر في الأردن. وتنافس في انتخابات النقابة تحالف «نمو»، المُشكّل من تيارات قومية ويسارية وليبرالية، ضد الإخوان المسلمين. وخسر الإخوان مقاعدهم في النقابة، التي كانوا يسيطرون عليها منذ أكثر من 20 سنة. بعد الانتخابات بشهر، حدث الإضراب. من المبكر أن نحكم إن كانت الدعوة للإضراب مرتبطة بخسارة الإخوان المسلمين. لكن ما أعلمه أن عددًا كبيرًا من المهندسين، والشركات الصغيرة والمتوسطة التي شاركت في الإضراب هي مشاركة في «نمو»، الذي هزم الإخوان المسلمين قبل شهر.

حاليًا، المهندسون ليسوا وحدهم، بل معهم الأطباء والصيادلة والمحامين ومجموعة من النقابات المهنية. ولا أعتقد أنه من الممكن أن يقبلوا بتعديلات بسيطة على ضريبة الدخل لتسير الأمور بشكل طبيعي. قبول ذلك أمر صعب، وسيضعهم في أزمة مع جمهورهم.

بداية من الأمس، خُلقت حالة جديدة في الشارع. الناس خرجت تطالب بالتراجع عن رفع أسعار المحروقات، بل طالبوا بالتراجع أيضًا عن زيادات سابقة في الأسعار، وليس فقط الزيادة الأخيرة التي تراجع عنها الملك، وجاء ذلك بشكل أساسي في سياق الإضراب الذي دعت له النقابات المهنية. فمن الصعب جدًا أن تخرج الآن النقابات المهنية لتقول إن حركتها قاصرة فقط على معركة قانون الدخل، وذلك دون التوسع في المطالب لتشمل المطالبات بالتراجع عن رفع الأسعار بشكل عام. ستخسر النقابات المهنية وسيخسر تيار نمو إذا قاموا بذلك.

* لمعرفة المزيد عن التطورات في الأردن، يمكنكم متابعة تغطية «حبر»  على موقعه الإلكتروني، وكذلك البثّ الحيّ للاحتجاجات عبر تويتر وفيسبوك.

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن