أهالي العريش بين «القوة الغاشمة» وشبح التهجير بسبب «حرم المطار»
 
 

منذ إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي إنشاء حرم آمن لمطار العريش بمساحة خمسة كيلو مترات في الاتجاهات الأربع للمطار، لم تخل أحاديث «العرايشية» من الخوف والقلق على مستقبل قد يكون مشابهًا لما لاقته مدينة رفح على الحدود مع قطاع غزة إثر إنشاء منطقة عازلة بعمق خمسة كيلومترات داخل سيناء، ما أسفر عن إزالة المدينة بالكامل وتجريف مئات الأفدنة من المزارع وهدم مئات المنازل.

خلال حديثه في مؤتمر «حكاية وطن» في 19 يناير الماضي، ذكر الرئيس السيسي واقعة استهداف طائرة وزير الدفاع، الفريق أول صدقي صبحي، أثناء وجودها في مطار العريش، بعد دقائق من نزول صبحي الذي كان بصحبته وزير الداخلية، مجدي عبد الغفار، مشيرًا إلى أن الصاروخ الذي أطلق على الطائرة خرج من مزارع الزيتون المقابلة للمطار في الجهة الغربية: «لما انضرب على الطيارة اتضربت من المزارع اللي حوالين المطار، إحنا بنعمل حرم آمن للمطار؛ ﻷن لازم المطار يرجع ويشتغل، الدولة تعود..»، محددًا مساحة الحرم بـ «5 كيلو حوالين حقول الطيران».

بعد انتهاء الرئيس من الحديث عن المطار، وجه حديثه لأهالي شمال سيناء، قائلًا بنبرة حادة: «يا تساعدونا يا تساعدونا، إحنا خدنا قرار باستخدام عنف شديد خلال المرحلة دي، لسه ما بدأناش عنف شديد وقوة غاشمة حقيقية… هنبقى غَاشمين قوي في استخدامنا للقوة».

نبرة الرئيس في حديثه لأهل سيناء تغيرت تمامًا عما جاء في حديث سابق له قبل عام تقريبًا، حين أعلن رفضه خطة لإخلاء العريش: «أنا اتعرض عليّا من 40 شهر خطة إن إحنا نجلي العريش كله، نفضّي المنطقة بالكامل عشان نقدر نتعامل مع الناس دي بالشكل المناسب.. قلنا لا،… لكن إحنا عمرنا ما عملنا كده ومش هنعمل ده، إحنا ما نعملش كده في أهلنا».

«الحرم الآمن للمطار» و«القوة الغامشة الحقيقية» نتج عنهما قلق وفزع داخل المجتمع السيناوي عامة والمجتمع «العريشي» خاصة. لم يجد «العرايشية» سوى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن قلقهم ورفضهم لحديث الرئيس، بعد أن أُغلقت جميع المنابر الإعلامية ووسائل الإعلام أمام الحديث عن أي شيء يخص شمال سيناء ومعاناة أهلها منذ أربع سنوات.

حسام الرفاعي، عضو مجلس النواب عن المدينة، كتب في منشور له على صفحته بموقع فيسبوك: «نعلن نحن أبناء سيناء، عن غضبنا وتخوفنا وتوجسنا وقلقنا بل فزعنا، من كل اللي قلته ياريس». لحظات وانهالت تعليقات السيناويين والعرايشية على منشور الرفاعي، والتي كانت تحمل طابع القلق والخوف من مستقبل أصبح مجهولًا.

اللجنة الشعبية للدفاع عن العريش كذلك أصدرت بيانًا ترفض فيه تصريحات الرئيس وتعتبرها تهديدًا للمواطنين، قائلة: «كأننا لم يستشهد أبناؤنا مثل أبناء الجيش والشرطة ولم نفقد مئات الضحايا في قرية الروضة بخلاف ما نعانيه من حياة شبه معدومة».

خلال السنوات الماضية أصدر تنظيم «ولاية سيناء» العديد من الإصدارات المرئية والمصورة، والتي تضمنت مشاهد بشعة لعمليات قتل بطرق مختلفة، سواء بالرصاص أو الذبح أو تفجير الرؤوس، لمواطنين من شمال سيناء معظمهم من فئة الشباب بدعوى تعاونهم مع القوات المسلحة وأجهزة الأمن.

وحسب الإحصائية الرسمية الوحيدة التي نشرت من محافظة شمال سيناء أواخر أغسطس 2016، قُدر عدد النازحين من رفح والشيخ زويد بسبب الحرب مع الجماعات المسلحة بـ 21 ألف و861 فردًا، موزعين على 68 تجمعًا في مدن العريش، وبئر العبد، والحسنة، بإجمالي 5324 أسرة، وتم تجريف 213 ألف و169 شجرة من مساحة 2436 فدانًا، وإزالة 2090 منزلاً، في نطاق المرحلتين الأولى والثانية فقط للمنطقة العازلة على الحدود مع قطاع غزة.

وحسب معلومات حصل عليها «مدى مصر» من مديرية التضامن الاجتماعي قدر عدد من قُتل من المدنيين بطلقات عشوائية وقذائف مجهولة المصدر بـ 621 من بينهم نساء وأطفال، وعدد المصابين بلغ 1247 شخصًا، وذلك الحصر منذ شهر يوليو 2013 وحتى منتصف عام 2017.

أحد أصحاب مزارع الزيتون في محيط المطار قال لوكالة أسوشيتدبرس: «لا نعرف إلى أين نذهب. المطار كان مغلقًا لسنوات، لماذا لم ينقلوه إلى منطقة أخرى؟»، مضيفًا أن ضباطًا هددوه بالحرمان من التعويضات في حال حديثه إلى وسائل الإعلام.

طوال مدة الحرب بين الدولة والمسلحين في سيناء خلال الأعوام الماضية لم يبرز مطار العريش نهائيًا كمسرح للمواجهة، حتى استهداف طائرة وزير الدفاع، وتبنى تنظيم «ولاية سيناء» للهجوم. فالمطار تكوينه بدائي جدًا، عبارة عن مبنى صغير للشؤون الإدارية يستوعب 250 راكب/ساعة، وبرج طيران، ومدرج رئيسي بطول 3000χ45 متر، ويتسع لأربع طائرات متوسطة الحجم. وقبل إغلاقه عقب تردي الأوضاع الأمنية في شمال سيناء أواخر 2014؛ كان استخدام المطار يقتصر فقط على استقبال الطائرات التي تحمل المساعدات والقوافل القادمة من الدول العربية لقطاع غزة.

استثناء تحت الضغط

المنطقة المزمع إزالتها عبارة عن دائرة حول المطار مساحتها 78.5 كم مربع، من ضمن مساحة مدينة العريش والتي تبلغ حسب الموقع الرسمي لمحافظة شمال سيناء 762 كم مربع، 218 كم مربع منها تضم المنطقة المأهولة بالسكان والزراعة وباقي الأنشطة الاقتصادية، حسب دراسة لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية عن محافظة شمال سيناء في مايو 2017.

الحرم المفترض، حسب قرار الرئيس، في الاتجاه الشمالي للمطار، سيضم الأحياء السكنية جنوب المدينة، فيما يضم الاتجاهان الغربي والجنوبي للمطار آلاف الأفدنة المزروعة بالزيتون على جانبي وادي العريش والتي تعتبر عَصب النشاط الزراعي داخل المدينة، أما الاتجاه الشرقي فيضم مساحات من مزارع الزيتون وأراضٍ صحراوية.

لكن محافظ شمال سيناء، عبد الفتاح حرحور، أعلن خلال الاجتماع التنفيذي للمحافظة في 23 يناير الماضي، أن الخمسة كم مربع سوف يتم إزالتها في الغرب والشرق والجنوب من المطار، أما في الاتجاه الشمالي، فسوف يتم إزالة كيلو ونصف مربع فقط حتى الطريق الدائري الجنوبي لمدينة العريش، لتلافي إزالة الكتلة السكنية، لافتًا إلى أن فكرة إنشاء حرم حول المطار ليست وليدة اللحظة، وأن هناك دراسة سابقة لهذا الحرم.

مصدر مسؤول داخل ديوان عام محافظة شمال سيناء، أكد لـ «مدى مصر» أن استثناء 3.5 كم مربع في الاتجاه الشمالي للمطار جاء بعد تدخل وجهاء من المدينة.

وكشف المصدر، الذي طلب إخفاء هويته، أن فكرة إنشاء حرم آمن لمطار العريش ليست جديدة، حيث تعود إلى بداية عام 2017 عندما وجه محافظ شمال سيناء الإدارة الهندسية في الديوان العام بتنفيذ مخططات للمنطقة المستهدف إزالتها، ولكن طوال العام لم يصدر توجيه بالتنفيذ على الأرض، مشيرًا إلى أن أخطر ما في تلك الخطة كان الاتجاه الشمالي، والذي يخترق الكتلة السكنية لمدينة العريش، لافتًا إلى أن الحَرم وصل إلى وسط المدينة عند مبنى مجلس المدينة وكنيسة ماري جرجس.

وأضاف أنه قبل استهداف طائرة وزير الدفاع بشهرين تقريبًا تم التوجيه مرة أخرى بإخراج الخرائط والمخططات لقرب التنفيذ على الأرض، حتى جاء إعلان الرئيس عن التنفيذ بعد الهجوم.

مصدر محلي يسكن بالقرب من الطريق المؤدي إلى مقر الكتيبة 101 في ضاحية السلام، قال: إن سيارات نقل عسكرية محملة بصناديق مدون عليها «TNT»، وكاسحات عملاقة تحمل جرافات ومعدات ثقيلة وصلت إلى مقر الكتيبة يوم 23 يناير الماضي.

الإخلاء قبل التعويضات

مالك إحدى مزارع الزيتون الملاصقة للمطار في الاتجاه الغربي، قال لـ «مدى مصر» إنه بعد حديث الرئيس عن إنشاء حرم آمن للمطار بيوم واحد جاءت وحدات عسكرية من الجيش وأخبرته كما أخبرت ملاك مزارع مجاورة له، أنه سيتم إزالة مزارعهم، وعليهم أن لا يتواجدوا في المنطقة، مضيفًا أنه من يومها لا يستطيع الوصول إلى مزرعته ولا يعلم ماذا حدث لها.

تمثل الأنشطة الزراعية، والتي تتركز جنوب العريش من خلال مزارع الزيتون المنتشرة خاصة على جانبي وادي العريش الأكثر خصوبة، مصدر دخل رئيسي لمئات الأسر «العرايشية»، وعشرات الأسر من البدو البسطاء الذين يعملون في حراسة المزارع «الغفرة» ويقيمون داخل منزل صغير في كل مزرعة.

وحسب دراسة لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية في مايو 2017، تمثل الأنشطة الزراعية في مدينة العريش 9% من النشاط الاقتصادي داخل المدينة، وتأتي في المرتبة الثانية بعد النشاط الصناعي والذي يمثل 15%.

مؤخرًا، أصبح ريع تلك المزارع هو الدخل الوحيد لأصحابها في ظل تردي الأحوال الاقتصادية وركود حركة التجارة الداخلية بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.

سكان محليون يقيمون في مناطق قريبة من المطار جنوب العريش، أكدوا أن قرية «السلام» شرق المطار تم بالفعل البدء في إزالة منازل المواطنين بها وتجريف المزارع المحيطة، بعد أن أمهلت القوات المسلحة المدنيين بإخلاء منازلهم في غضون 20 يومًا بداية من 20 يناير الماضي. وهو ما أكده مصدر حكومي يعمل في إحدى الوحدات الزراعية التابعة لإحدى مديريات الزراعة داخل المحافظة، أنه تم بالفعل إخلاء الوحدة داخل قرية السلام تمهيدًا لإزالتها.

مالك مزرعة زيتون تبعد كيلومتر واحد عن المطار من الناحية الشرقية، قال إنه لم يتلق بعد أي تعليمات بالإخلاء وتسليم مزرعته للقوات المسلحة، لافتًا إلى أن منطقة قريبة من مزرعته تدعى «شارع أبو سكر» جاري فيها إزالة المزارع والمنازل الصغيرة.

أما عن طريقة إزالة الزراعات، قال ملاك مزارع تحدثوا لـ «مدى مصر» إن هناك طريقتان في التجريف تقوم بها القوات المسلحة، الأولى عن طريق اقتلاع الشجرة من جذورها، ما يسفر عن نهايتها، والثانية من خلال قطع الشجرة من على سطح الأرض، وفي هذه الحاله لا تموت وتنبت مرة أخرى. يرغب أصحاب المزارع في استخدام الطريقة الثانية أملًا في العودة مرة أخرى لمزارعهم.

يقول أصحاب مزارع إنه حتى الآن لم تحضر لجنة مديرية الزراعة لحصر الأشجار وقياس المزارع لتحديد التعويض المادي المناسب. أحدهم ذكر أنه توجه إلى مديرية الزراعة للاستفسار عن التعويض، فأجابوه: «لسه ما جتش تعليمات بالمعاينة».

أشار أصحاب المزارع أيضًا إلى أن عشرات الأسر النازحة من جحيم الحرب مع الجماعات المسلحة في الشيخ زويد ورفح، استقروا جنوب العريش، وعملوا داخل تلك المزارع بأجر، ومنهم من أقام داخل المزرعة بموافقة صاحبها بسبب أن ليس لهم مأوى، وحاليًا جميعهم مهددون بالتهجير من جديد، وقُدر عدد من استقر من النازحين من رفح والشيخ زويد داخل العريش، حسب بيان أصدرته لجنة مشكلة داخل مديرية التضامن الاجتماعي في شمال سيناء عام  2016 بـ 9 آلاف و990 شخصًا.

ورغم احتياطات الأمن المكثفة بالمنطقة، لم تسلم عمليات الإزالة من هجمات تنظيم «ولاية سيناء»، الذي تبنى استهداف حملة تابعة للقوات المسلحة أثناء تجريفها لمزارع الزيتون بالقرب من مطار العريش في الاتجاه الغربي، عن طريق سيارة مفخخة، أواخر شهر يناير الماضي، ما أسفر عن إعطاب جرافة وإصابة سائقها، حسب مصدر أمني في شمال سيناء.

مخاوف التوسع

يخشى أبناء العريش أن تدخل منطقة شمال المطار، والتي استثني منها 3.5 كم مربع، وتعتبر الأهم لأنها تخترق الكتلة السكانية، مستقبلًا ضمن قرار الإخلاء لتدخل الحرم الآمن للمطار لسببٍ ما، مثلما تم مع مدينة رفح عندما أُخلي فقط ألف متر في عمق سيناء كمرحلتين أولى وثانية عام 2015، واستقر الوضع حتى نهاية 2017 عندما أُعلن عن البدء عن تنفيذ المرحلة الثالثة بداعي مواجهة الأنفاق وتنفيذ عملية نقطة البرث جنوب رفح، حسب تصريحات اللواء السيد عبدالفتاح حرحور، محافظة شمال سيناء، ما نتج عنه توغل عملية الإزالات إلى عمق الكتلة السكانية للمدينة وإزالة أحياء سكنية بالكامل، بالإضافة إلى تجريف مساحات شاسعة من المزارع، والتي تمثل 62% من النشاط الاقتصادي داخل المدينة، حسب دراسة وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.

قرار «حرم المطار» لا يعتبر هو التهديد الوحيد الذي أصبح محدقًا بعاصمة شمال سيناء، والتي يقيم فيها قرابة 180 ألف نسمة، حسب آخر تقدير عام 2016. في منتصف 2016 أصدر الرئيس السيسي قرارًا بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق 2 كيلومتر على جانبي 21 طريقًا من ضمنهم طريق «العريش-رفح»، الذي يمر على ساحل المدينة في طرفها الشمالي، وإذا طُبق سوف يقضي على باقي الكتلة السكانية التي خرجت من قرار «حرم مطار العريش»، وفي أجزاء أخرى سوف يلامسها، مما يسفر عنه إزالة مدينة العريش بالكامل.

وخلال عام 2016 أقامت أجهزة الأمن حرم بمسافة 500 متر على جانبي الطريق الدائري جنوب العريش، وطريق«العريش-الحسنة» بداية من مقر الكتيبة 101 وحتى مطار العريش، ما أسفر عنه إزالة منازل ومزارع زيتون.

في نهاية حديثه عن شمال سيناء، خلال «حكاية وطن»، وجه الرئيس السيسي رسالة بنبرة صوت حادة إلى الأهالي في شمال سيناء قائلًا: «يا تسَعدونا يا تسَعدونا» خاتمًا حديثة «هنبقى غاشمين قوي في استخدام القوة وأن الكلام ده يتحط في الإعتبار وأهلنا في سيناء يسعدونا بجد».

اعلان
 
 
ممدوح سليمان 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن