اقتصاد ما بعد الصدمة
 
 

يمكن وصف عام 2017 بإيجاز بأنه عام ما بعد الصدمة في الاقتصاد المصري، لأنه شهد كل تداعيات الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة في العام السابق بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وعلى رأسها تعويم الجنيه ورفع أسعار الطاقة، مما انعكس في التغطية الاقتصادية لـ«مدى مصر» خلال العام.

وكان ارتفاع أسعار السلع والخدمات أبرز الآثار المترتبة على السياسات الحكومية التي بدأت منذ سبتمبر 2016 بفرض ضريبة القيمة المضافة، وتكثفت بشدة مع انخفاض قيمة العملة المصرية إلى النصف تقريبا في نوفمبر من نفس العام مع تحرير سعر الصرف٬ وما صاحبه من زيادة لأسعار الكهرباء والوقود، في إطار برنامج «إصلاح اقتصادي» اتفقت عليه مصر مع صندوق النقد مقابل قرض بقيمة 12 مليار دولار.

اهتم «مدى مصر» بمعرفة أثر موجات الغلاء على مستوى معيشة بعض المواطنين، وكيفية تعايش الفئات الأكثر فقرًا مع سياسات تؤدي إلى مزيد من الإفقار، كما سعى لتوضيح العلاقة بين تراجع قدرة المصريين على الشراء وبين انخفاض معدل النمو الاقتصادي في نهاية المطاف.

واتخذت الحكومة والبنك المركزي قرارات يفترض أن تقلل من الآثار السلبية لتلك السياسات سواء على المواطن أو على الاقتصاد، مثل زيادة مخصصات الدعم الموجه للفئات الأكثر احتياجًا، ورفع أسعار الفائدة في البنوك، إلا أن التغطيات التي قام بها مدى مصر أظهرت قصورا في تلك القرارات، لأن زيادة الدعم غير كافية ولا تنفق في الوجهات الصحيحة، كما أن رفع الفائدة البنكية لا يحجم من التضخم في أسعار المستهلكين في الوضع الحالي، وبالتالي لا يحقق هدف البنك المركزي المعلن من تلك السياسة، بينما يؤدي إلى تزايد الأعباء على ميزانية الدولة لأن الحكومة هي أكبر المقترضين في السوق.  

وبعد مرور عام على تعويم الجنيه، الذي دفع ثمنه بالأساس المواطنين، فإن أحوال المستثمرين، الذين تسعى تلك السياسات إلى تحفيزهم بحسب ما تقوله الحكومة، لا يبدو أنها تحسنت.

ومع اقتراب العام من نهايته استضاف «مدى مصر» الباحث الاقتصادي محمد سلطان، للمناقشة مع فريق العمل حول تقييم التغطية الاقتصادية للموقع خلال 2017، ومعرفة نقاط الضعف التي يمكن تجاوزها في العام الجديد لتقديم محتوى أفضل وأقرب لتلبية احتياجات القراء.

ودار النقاش حول عدد من النقاط التي يحتاج «مدى» لتطويرها في تغطيته في هذا المجال منها ربط الخبر بسياق أشمل يوضح للقارئ لماذا ندعوه للاهتمام بهذا الأمر، وضرورة العمل مع البيانات الرسمية بشكل نقدي، ومراعاة اختيار مصادر تساعد على تناول أكثر عمقًا يتجاوز ما تحاول الأطراف المستفيدة اقتصاديًا أو سياسًا ترويجه، كما تناول النقاش أهمية إبراز الجانب الإنساني والاجتماعي في التغطية الاقتصادية.

ويقول سلطان إن «التيار الرئيسي في موضوعات مدى خلال 2017 في تصوري كان عن الحدث الرئيسي في 2017، وهو اللامساواة»، معتبرا أن العام السابق كان عام الأحداث والقرارات الأساسية التي انعكست في العام الجاري على زيادة الفجوات بين المصريين من أصحاب الدخول المختلفة.

تتضح أوضاع اللامساواة من خلال توزيع العبء الضريبي بين الفئات المختلفة، ومعدل تضخم أسعار المستهلكين، وعدم المساواة في الدخول، ويرى سلطان أن هذه الأمور كانت المحرك لدى المحررين- حتى لو بشكل غير واعِ- لكتابة الموضوعات التي قاموا بتغطيتها، لكنه يتساءل «هل رصدنا هذا بنجاح؟».

وجه سلطان أكثر من انتقاد لتلك التغطية، أولها يتعلق باختيار الأخبار التي يتم نشرها في بعض الأحيان دون سياق أوسع يوضح تأثيرها على القارئ ولماذا عليه أن يهتم بها، «المعلومات متاحة لكن جزء أساسي من وظيفتنا كصحافة اقتصادية أن نقلل الضوضاء. المعلومات كثيرة لكن قابلة للتطاير، خاصة بالنسبة للقارئ غير المتخصص، لأنها دون سياق».

ويرى سلطان أن 2017 باعتباره عام ملمحه الأساسي هو تداعيات السياسات الاقتصادية، وليس عام أحداث مثل سابقه، وهذا يتيح وقتًا لملاحظة التغيرات لذلك يسمح بصحافة أقرب للاستقصاء منها للخبر، «طبيعة السنة ليست إخباريه، لكن التغطية كانت تنتظر حدث يتعلق باللامساواة عشان تشتغل عليه».

مشكلة أخرى تتعلق بالبيانات الرسمية وطريقة عرضها وكذلك بنوعية المصادر التي يتم اختيارها للتعليق في الموضوعات، ويوضح سلطان أن طبيعة البيانات الرسمية وعلم الاقتصاد نفسه يحاول طمس قضية اللامساواة وعدم إبرازها بأي شكل، فمن المعروف مثلا إن شرائح الدخل المختلفة تواجه مستويات تضخم مختلفة، لكن الأرقام الحكومية تظهر رقمًا موحدًا، فعن أي فئة يعبر هذا الرقم؟

لذلك يعيب سلطان على بعض موضوعات مدى المنشورة خلال العام أنها لم تناقش مدى تعبير البيانات الرسمية عن الواقع، وعن أوضاع عدم المساواة بشكل خاص، مثل التعامل مع أرقام التضخم الرسمية باعتبار أنها مسلم بها.

«في مشكلة في إن مدى مصر تتورط في نشر هذا الرقم .  كيف أقول لشخص أن التضخم 30% وهو عندما يشتري يجد زيادة الأسعار 100% مقارنة بالسنة السابقة .. كيف سيصدقني. لو في تحليل على الأقل يوضح الفرق بين الرقمين.. الموضوع سيختلف». كما يضيف سلطان أن بعض الموضوعات قدمت شرحا بسيطا لكنها لم تتحد الرقم أو تعلن عن العيوب التي تشوب طريقة إعداده.

أما طبيعة المصادر فتكرس أيضا للبيانات الرسمية، التي تغفل عدم المساواة، ولا تساعد على تحديها، لأن كثير منها يأتي من خلفية بنوك الاستثمار، وهذه النوعية من المصادر في رأي سلطان «تهتم بتطور المؤشرات وليس بمدى تعبير المؤشر عن الواقع وعن وضع اللامساواة. وبالتالي أنت تعتمد على بيانات تغفل هذه الأبعاد وأيضا نختار مصادر ليس لديها طموح أن تساعدك.لأنهم يعتبروا البحث وراء الأرقام إما أمر أكاديمي (بعيد عن الواقع) أو تشكك لا يليق باقتصادي رصين».

ورغم أن هناك اتجاها في «مدى مصر» للاهتمام بأوضاع عدم المساواة إلا أنه ليس واضحا بما يكفي ليبرز فعلا أشكال التفاوت في الدخول وبالتالي في مدى التأثر بالأزمة، ويضرب سلطان مثلا بتقرير كيف تستثمر أموالك، الذي يخاطب فئة المدخرين ويطرح أمامهم عدة خيارات لاستثمار مدخراتهم منها العقارات والبورصة، «لكن الموضوع لا يظهر أن هناك فئات مختلفة للمدخرين، ونسبتهم 30% من المصريين، لكن 8% منهم فقط هم من يستطيعوا الاستثمار العقاري أو الاستثمار في البورصة».

ويعيب سلطان على تغطية «مدى مصر» في 2017 عدم الاهتمام بشكل كاف بالضرائب «تغطيتها كانت قليلة»، رغم أنها مسألة أساسية في توضيح أبعاد اللامساواة وسياسات الدولة تجاهها، موضحا: «في الموضوعات التي تتكلم عن تخفيض الدعم لم يطرح مثلا فرض ضرائب على الشريحة الأعلى دخلًا كبديل لخفض الدعم عن الفئات الأفقر. هناك فئات مثل المستثمرون بالبورصة والعقارات يدفعوا صفر ضرائب.. بينما في دولة مثل إسرائيل الضرائب على الأرباح الرأسمالية تصل إلى 48%».

وأخيرًا انتقد كل من فريق العمل وسلطان غياب الناس في التغطيات: «فعليا الناس لا تظهر في الاقتصاد.. ونحتاج أن نفكر كيف نتجاوز هذا» كما يقول سلطان، ورأى فريق العمل أن ذلك يرجع في جزء منه لعدم تحدي التقاليد المتبعة في الصحافة الاقتصادية بشكل كافِ، والتي تميل لجعلها فنية أكثر منها إنسانية، وأن هذا يتطلب مزيدًا من الجهد في التخطيط للتغطية وتوجيهها بشكل أكبر لإجراء الحوارات والقصص الإنسانية التي تقرب الاقتصاد من القارئ.

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن