أفاد تقرير نشرته «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» اليوم، الأربعاء، بأن جهودًا ممنهجة تهدف إلى اصطياد ذوي الميول الجنسية المختلفة عبر تطبيقات ومواقع لمواعدة قد انطلقت عام 2015. وتقول داليا عبد الحميد، مسؤولة ملف الجندر في المبادرة، وكاتبة التقرير الأساسية لـ «مدى مصر»: «لسنا نبالغ إن قلنا إنهم يستهدفون الناس. فحين أُلقي القبض على عشرات الأشخاص من مختلف أرجاء البلد خلال أسبوع واحد عقب حفل مشروع ليلى الذي أقيم في سبتمبر تساءلنا كيف استطاعوا فعل ذلك بهذه السرعة».
تشرح داليا أن هذه الحملة المستمرة – التي يوثقها تقرير المبادرة الذي يحمل عنوان «المصيدة: عقاب الاختلاف الجنسي في مصر»– هي التي مكنتهم من إلقاء القبض على هؤلاء الناس. فقد كان شرطيون متخفّون يدردشون مع هؤلاء الرجال منذ فترات طويلة، بعضها بدأ في شهر يوليو. «كأنهم يصطادون بشبكة، ويسحبون الشبكة وقتما يشاؤون».
الحملة – التي تقودها شرطة الآداب – اتخذت في أغلب الأحيان أسلوب الإيقاع بمستخدمي هذه التطبيقات والمواقع، وفي معظم الوقائع يتمّ إلقاء القبض على شخص واحد أو شخصين كل مرة. كان هذا أكثر شيوعًا من عمليات إلقاء القبض على مجموعات كبيرة، رغم أن حفل «مشروع ليلى»، وحصيلته، سُبقا بفضائح جنسية كقضية «حمام رمسيس» التي تمّ إلقاء القبض فيها على 26 شخصًا عام 2014.
يستند التقرير – الذي يغطي الفترة بين أكتوبر 2013 ومارس من العام الجاري – إلى تحليل قانوني يتناول أكثر من 20 قضية مصحوب بشهادات المتهمين ومقابلات مع ذويهم، ومع عدد من المحامين المتخصصين في قضايا الفجور، إضافةً إلى تحليل التغطية الإعلامية خلال الفترة نفسها.
تقول داليا إن الإحصاءات الرسمية منعدمة، وإن التحصل على ملفات القضايا كان صعبًا، وتضيف أن الوصول إلى الملفات لم يتسنّ إلا عبر شبكة محامين يعملون عليها. «استغرق الرصد الإعلامي وقتًا طويلاً. كثيرًا ما تنقل التغطية الإعلامية من إعلانات الشرطة نقلًا، وإعلانات الشرطة كثيرًا ما تفتقر إلى الدقة. لم يشمل التقرير سوى الحالات التي تأكدنا منها بنسبة 100%، ونحن على يقين من وجود حالات أخرى كثر لا نعرفها».
العثور على أشخاص يقبلون بالكلام كان تحديًا أساسيًا أيضًا حتى في الحالات التي كانت المبادرة منخرطة في العمل عليها. تقول عبد الحميد: «بعض الناس يعانون من آثار الصدمة ولا يريدون الكلام، وبعضهم لا يريدون اتخاذ هوية مثلية ولا يشعرون بالارتياح تجاه الكلام عن الجنسانية».
يستخدم ضباط الشرطة عادةً حسابات زائفة بغرض التحدث مع أشخاص كثير منهم يرسلون صورهم. وتُقدم هذه الصور مع تفريغات المحادثات باعتبارها أدلة. ويُستخدم الشعر المستعار، ومستحضرات التجميل، والواقيات الذكرية، وما شابه ذلك من أشياء أيضًا باعتبارها أدلة. وتشير المبادرة إلى أن اعتبار حيازة الواقيات الذكرية دليلًا يتعارض مع جهود منع انتشار فيروس متلازمة نقص المناعة المكتسبة HIV/AIDS، وينمّ عن انعدام التنسيق بين الوزارات، وإنه «يحمّل مَن لهم ميول جنسية لا يقبلها المجتمع على التخلي عن وسيلة حماية ضرورية خوفًا من الاعتقال».
تُشير المبادرة أيضًا إلى موجة من ترحيل الأجانب حتى إن لم تثبت التهم الموجهة إليهم، وأحيانًا دون أن تُنظر القضية في المحكمة. يوثق التقرير حالة لاجئ رُحِّل وأُجبِر على توقيع مستندًا يفيد بأنه مغادر ومتنازل عن صفة اللجوء بإرادته.
يتعرض المتهمون للانتهاك والإهانة من قِبل الشرطة، وتتنوع صور ذلك بين الحرمان من حق الزيارة والإساءات وبين التهديدات والضرب. أما تجاربهم مع النيابة فقد كانت أكثر تباينًا، فقد واظبت على إحالة المتهمين إلى مصلحة الطب الشرعي لإجراء الفحوص الشرجية. تستند الفحوص إلى حجج طبية أُبطلت، بل إنها قد تعتبر صورة من صور التعذيب. وتقول المبادرة، في تقريرها، إن أكثر جوانب الأمر إثارةً للقلق هو أن تقارير الفحص الشرجي جميعها تقريبًا تذيّلها ملحوظة تفيد بأن ممارسة الجنس الشرجي ممكنة دون أن تخلف علامات ملحوظة، وهذا ينمّ عن أن «مَن يجرونها يبدو أنهم يعرفون أنها لا تكشف عن أدلة. […] وعليه فإن الغرض الوحيد الذي تحققه الفحوص الشرجية عقاب المتهمين في هذه القضايا وإهانتهم».
تُوجه إلى المتهمين في هذه القضايا تهمة «اعتياد ممارسة الفجور»، وهي ضمن نطاق قانون مكافحة الدعارة. وتنطوي القضايا على مخالفة مبادئ قانونية عدة من إيقاع الشرطة بالناس – الذي يعتبره القانون جريمة تحريض – إلى توجيه النيابة أكثر من تهمة عن الفعل نفسه.
ورغم أن الكثير من القضايا تخفت وتُؤجَّل في المحاكم المصرية فإن قضايا «ممارسة الفجور» تجتاز مراحل التقاضي بسرعة غير معهودة، فتستغرق شهرًا أو شهرين في المتوسط منذ لحظة القبض حتى حكم الاستتئناف. هذا يزيد من صعوبة طعن المحامين على الإجراءات غير القانونية وانتهاك حقوق المحتجزين.
وتكون الأحكام الابتدائية قاسية؛ يتبيّن هذا من ارتفاع معدل الأحكام التي تُلغى أو تُخفف عند الطعن. وقد أجمع المحامون الذين أجرت المبادرة مقابلات معهم على أن هذه الأحكام «كثيرًا ما تكون انعكاسًا لرؤية المجتمع هؤلاء الناس ورغبته في معاقبتهم على ما يراه جنسانيات غير معيارية».
كما خصص التقرير قسمًا طويلاً للتحليل الإعلامي، وخلص إلى أن وسائل الإعلام قد أسهمت في الحملة إسهامًا كبيرًا. فقد لعب الصحافيون دورًا مباشرًا – في بعض الوقائع – في استهداف الناس بسبب ميولهم الجنسية. تأتي على رأس هذه الوقائع مشاركة المقدمة التلفزيونية منى عراقي في مداهمة «حمّام باب البحر» ومطالبة المقدم التلفزيوني تامر أمين – عبر برنامجه – الشرطة بإلقاء القبض على رجال ظهروا في فيديو نُشر على موقع يوتيوب YouTube يصوّر رجلين يتبادلا الخواتم على متن قارب.
تعيد تغطية قضايا الفجور إنتاج بيانات الشرطة. فهي تهدف إلى إثارة مشاعر العامة وغالبًا ما تضم صورًا لرجال على أوجههم مساحيق تجميل مرتدين ملابس نساء، وعادة ما يكون مصدرها تطبيقات ومواقع المواعدة. يدلّل على تلك النيّة الاهتمام البالغ الذي يحيط بخلق صورة الفضيحة الجنسية وانعدام تغطية أحكام البراءة أو الأحكام المخفضة تقريبًا.
أما اللغة فتحمل تحقيرًا وتصوّر المقبوض عليهم باعتبارهم عنيفين ويشكلون خطرًا على المجتمع. ولا يُلقى لحماية هويات الأشخاص بالاً، وتشير المبادرة إلى عدد من الحالات نُشرت أسماؤهم كاملة أو معلومات تجعل الاهتداء إلى هوياتهم سهلًا.
يسجل التقرير تكرار السماح للصحافيين بحضور التحقيقات. وتسجل المبادرة أيضًا أسلوبًا آخر متبعًا في التغطية الإعلامية وهو «الخلط بين الممارسة الجنسية المثلية القائمة على التراضي بين الطرفين وبين الاعتداء الجنسي المُرتكب بحق آخرين من النوع نفسه بالغين كانوا أو قصر».
وتشير داليا عبد الحميد إلى أن قانون تجريم المثلية الجنسية المطروح محاولة لمنح الدولة رخصة لزيادة قمع العلاقات الجنسية المثلية القائمة على التراضي. تقول الباحثة: «بنود القانون عامة جدًا. فإظهار أي علامة تشير إلى المثلة الجنسية أمر يعاقب عليه القانون. ما معنى ذلك؟»، وتضيف: «أحد حججنا الأساسية أن ممارساتهم غير قانونية. هذه محاولة لتمرير قانون يقننها جميعًا».
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر
أشترك الآن