تعديلات «الإجراءات الجنائية».. ما بين العدالة الناجزة وتهديد ضمانات العدالة
 
 

منذ اغتيال النائب العام السابق، هشام بركات، في يونيو 2015 حتى الآن، وقانون الإجراءات الجنائية هو الملام الأبرز من مسؤولي الدولة على غالبية الحوادث الإرهابية التي وقعت في مصر، فدائمًا ما تُكال له الاتهامات المتعلقة ببطء التقاضي وتأجيل تنفيذ أحكام الإعدام في حق كثير من المتهمين في قضايا الإرهاب.

وخلال تلك الفترة ، عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة عن عدم رضاه عن مسار العدالة الناجزة، معتبرًا أن القضاء لن يستطيع التعامل بالحسم اللازم في ظل القوانين الحالية. كانت المرة الأولى خلال مشاركته في جنازة النائب العام في 30 يونيو عام 2015، حين قال: «يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين»، وجدد طلبه بتعديل القانون خلال مشاركته في تشييع جنازة ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية في 12 ديسمبر الماضي، وشاركه الرأي حينها مجلس النواب، بإمهال الحكومة وقتها شهرًا لإعداد قانون جديد.

كان مجلس النواب أسرع استجابةً من الحكومة لطلبات السيسي المتكررة، حين وافق على مقترح النائب صلاح حسب الله عضو ائتلاف «دعم مصر» الموالي للدولة، بتعديل أربع مواد بالقانون في أبريل الماضي، وصدّق عليه الرئيس السيسي في الشهر نفسه، فيما جاءت استجابة الحكومة بعد ذلك بأربعة أشهر، ولكن بأكبر تعديل تشريعي يطول القانون منذ 47 سنة، حيث انتهت لجنة الإصلاح التشريعي برئاسة المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء مؤخرًا من إعداد مسودة جديدة للقانون تتضمن تعديل نحو 270 مادة من مواده الـ560، وعرضتها الحكومة على مجلس النواب الذي بدأ في 2 أغسطس الجاري جلسات الحوار المجتمعي حول مواد القانون الجديدة، تمهيدًا لإصدارها في بداية دور الانعقاد الثالث للبرلمان في أكتوبر المقبل.

التعديلات التي أقرت واتجاه الحكومة لتعديلات جديدة أوسع تثير التساؤلات عن موقف التعديلات كلها من ضمانات المحاكمات العادلة التي كفلها الدستور ومدى فاعليتها في تسريع وتيرة التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة.

التعديلات الجديدة تلغي القديمة

منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي حكم البلاد في 8 يونيو عام 2014 وحتى الآن، أدخل بمعاونة المحكمة الدستورية العليا والبرلمان أربعة تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، أولها بتاريخ 12 نوفمبر عام 2014، حين صدر قرار بقانون باستبدال المواد أرقام 64 و65 و74 من القانون بمواد جديدة تعطي للنيابة العامة ولوزير العدل الحق في طلب ندب قضاة من المحكمة الابتدائية للأولي ومن محكمة الاستئناف للثاني، للتحقيق بالقضايا التي يقدر أن لها ظروفًا خاصة، إلى جانب إضافة مادة برقم 66 للقانون تلزم قاضي التحقيق المنتدب بإنجاز القضية المنتدب لأجلها خلال ستة أشهر.

وعقب هذا التعديل، أصدر الرئيس في 12 مارس عام 2015 تعديلًا ثانيًا للقانون تزامن مع إصدار قانون الاستثمار الأول قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ بـ24 ساعة، تضمن استبدال الفقرة الثالثة من المادة 15 من القانون بفقرة تحسب مدة إقامة الدعوى الجنائية ضد المسؤول الذي يرتكب جريمة إهدار للمال العام من تاريخ انتهاء خدمته أو تركه لوظيفته وليس من تاريخ ارتكاب الجريمة، وإضافة مادتين برقمي 18 مكرر«ب» و208 مكرر «هـ» تسمحان بالتصالح في جرائم اختلاس المال العام والاستيلاء عليه بغير حق أو تسهيل ذلك للغير.

وفي 5 مارس من عام 2016 قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عدلي منصور بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (398) من القانون، فيما تضمنته من قصر قبول المعارضة فى الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة.

وفي 27 أبريل الماضي صدق الرئيس السيسي على مقترح بقانون مقدم من النائب صلاح حسب الله، تضمن تعديل المواد 12 و277 و384 و395 من القانون لتتمكن المحكمة من الاستغناء عن شهادة أحد الشهود الذي يستعين بهم المتهم للتدليل على براءته، إذا لم تر جدوى لشهادته، فضلًا عن تحويل محكمة النقض إلى محكمة موضوع، بحيث إذا عرض عليها طعن في حكم صادر عن محكمة الجنايات، ورأت المحكمة أن الحكم به أخطاء تستوجب الطعن تفصل فيه النقض مباشرة ولا تعيده إلى محكمة الجنايات مرة ثانية وفقًا لقاعدة التقاضي على درجتين المعمول بها في مصر.

التعديلات السابقة وصفها النائب عفيفي كامل، عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان وأستاذ القانون الدستوري بأكاديمية الشرطة، بـ «المتسرعة التي سيُجبها التعديل الجديد»، مضيفًا لـ «مدى مصر» أن الحكومة والبرلمان أدخلا خلال الفترة الماضية تعديلات متسرعة على قانون الإجراءات الجنائية تحت ضغط الحوادث الإرهابية التي تتعرض لها البلاد، ولكن غالبية تلك التعديلات يتوفر في شأنها شبهات مخالفة الدستور وإخلالها بضمانات المحاكمة العادلة التي حدد الدستور ضوابطها في مواده أرقام 54 و55 و96 و97 و98.

وأوضح «كامل» أن مشروع القانون الجديد يتضمن كثير من الإيجابيات، خاصة أنه تضمن تصحيحًا للتعديل الذي أقره البرلمان في شهر أبريل الماضي، المتضمن اختصار درجة من درجات التقاضي أمام محكمة الجنايات وتحويل محكمة النقض إلى محكمة موضوع، لأن مشروع القانون الجديد تضمن بحسب «كامل» اعتماد نظام التقاضي على درجتين في الجنايات، فتشكل في كل دائرة استئناف محكمة أو أكثر لنظر قضايا الجنايات، وتؤلف كل منها من ثلاثة قضاة برئاسة أحد نواب رئيس محكمة الاستئناف على الأقل، وتُستأنف الأحكام الصادرة من دوائر الجنايات أول درجة مع إتاحة الطعن على أحكام محاكم جنايات الدرجة الثانية عن طريق محكمة النقض.

المشروع السابق له سلبياته أيضًا حسب «كامل»، الذي قال إن هذا التعديل يتعارض عمليًا مع نقص عدد القضاة، وأنه إذا لم يبحث البرلمان مع مجلس القضاء الأعلى آليات مواجهة هذا النقص سواء بتفعيل مواد القانون الخاصة بالاستعانة بالمحامين أو أساتذة القانون للعمل إلى جانب القضاة فسيساهم النظام الجديد في تكدس القضايا أمام محاكم الجنايات واستمرار الوضع كما هو عليه.

مقترحات في الميزان

خلال جلسة الاستماع الأولى التي عقدتها اللجنة التشريعية بمجلس النواب، يوم الأربعاء الماضي، قال رئيس اللجنة، المستشار بهاء أبو شقة، إن قانون الإجراءات الجنائية الجديد يتضمن استبدال 150 مادة متعلقة بمواد التحقيق بمعرفة النيابة وقاضي التحقيق، وإلغاء 21 مادة واستحداث 44 مادة جديدة.

من جانبه، رأى المستشار أحمد عبد الرحمن، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، أن التعديلات الجديدة «متوازنة»، قائلًا لـ «مدى مصر» إن لجنة الإصلاح التشريعي قدمت حلولًا عملية لكثير من المشاكل المسؤولة عن بطء التقاضي في مشروع القانون الحالي، لافتًا إلى أنه قرأ المشروع بعناية، وعاب على قسم التشريع بمجلس الدولة تعطيله لإصدار القانون، لافتًا إلى أن الحكومة عرضت المسودة على قسم التشريع منذ أكثر من شهرين وحتى الآن لم ينته القسم من مراجعتها وإبداء ملاحظاته عليها، بسبب تعيين المستشار أحمد أبو العزم رئيسًا للمجلس، وعدم تسمية رئيس جديد للقسم.

وأضاف عبد الرحمن أن نصوص مواد القانون الجديد كان يجب تفعيلها قبل بداية العام القضائي في أول أكتوبر بوقت كافٍ ليستطيع مجلس القضاء الأعلى الاستعداد للدوائر الاستئنافية الجديدة، التي نص القانون على إنشائها بمحكمة الجنايات. وتوقع أن يُقر البرلمان القانون الجديد للإجراءات الجنائية قبل يناير 2018

من جهته، قال المستشار عادل الشوربجي، عضو مجلس القضاء الأعلى، إنه لم يطلع على مشروع القانون المقترح من وزارة العدل، موضحًا لـ «مدى مصر» أن المعروض الآن على اللجنة التشريعية بالبرلمان ليس مشروع قانون، ولكن مجرد مقترحات وأفكار سيتم إعادة بلورتها، مضيفًا أن البرلمان ما زال في مرحلة جلسات الاستماع وتبادل الآراء.

وعن موقف مجلس القضاء الأعلى، قال «الشوربجي» إن المجلس لن يقول رأيه إلا بعد وجود مشروع قانون حائز على موافقة مبدئية من البرلمان.

فيما قال نبيل الجمل، وكيل اللجنة التشريعية بالبرلمان، إن رئيس البرلمان، علي عبد العال، وافق على قطع اللجنة التشريعية للإجازة البرلمانية، وعقد اجتماعات دورية لتحضير قانون الإجراءات الجنائية قبل بداية دور الانعقاد الثالث، مضيفًا أن اللجنة بدأت عملها يوم الأربعاء الماضي بدعوة ممثلين عن النيابة العامة ومحاكم النقض والاستئناف لعرض التعديلات عليهم، ومطالبتهم بإمداد اللجنة بآرائهم وملاحظاتهم حولها، وستكرر الأمر نفسه يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، 7 و8 أغسطس الجاري، للاستماع إلى آراء أساتذة القانون بالجامعات والمحامين، وبعدها تنعقد اللجنة أسبوعيًا لدراسة المقترحات والملاحظات استعدادًا للوصول إلى مسودة أولية لقانون الإجراءات الجنائية، للعرض على البرلمان في أولى جلساته في شهر أكتوبر المقبل.

وفي السياق نفسه، اعتبر المحامي ناصر أمين، رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن التعديلات الحكومية الأخيرة لقانون الإجراءات الجنائية تضم النقيضين؛ إذ تجمع بين تفعيل مواد الدستور والاستجابة لمطالب منظمات المجتمع المدني، وبين مخالفة الدستور والتحايل على مواده من ناحية أخرى، موضحا لـ «مدى مصر» أن مشروع القانون تضمن استحداث نظام التقاضي على درجتين في الجنايات استجابة للمادة 96 من الدستور ولمناشدات منظمات المجتمع المدني خلال السنوات الماضية، وهي أبرز إيجابيات القانون.

في المقابل، رأى أمين أن التعديلات الجديدة تضمنت مخالفة صريحة لمواد الدستور الخاصة بحماية الشهود والمبلغين من ناحية، وحق المواطنين في إقامة دعاوى مباشرة ضد الموظفين العموميين، لافتًا إلى أن القانون لم يرع برامج حماية الشهود والمبلغين المعروفة على مستوى العالم من حيث ضمان سلامة الشاهد جنبًا إلى جنب مع إجراءات تحقيق عادلة وشفافة، حيث تتضمن التعديلات إخفاء اسم الشاهد، وهو أمر يتعارض مع أبسط مبادئ المحاكمة العادلة.

ويتخوف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان من أن تستغل التعديلات الخاصة بحماية الشهود في القانون، جنبًا إلى جنب مع التعديلات الأخيرة، التي أعطت للمحكمة سلطة اختيار الشهود كقرينة لعدم استماع المحكمة لشهود الإثبات والنفي بزعم حماية الشهود، وهو ما يضر العدالة، بحسب أمين.

وأضاف أنه في الوقت الذي يسمح فيه الدستور للمواطنين بإقامة دعوى مباشرة ضد أي موظف عمومي، صادرت التعديلات هذا الحق، ونصت على عدم جواز رفع الدعوى الجنائية ضد موظف عام أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها إلا من رئيس نيابة على الأقل، موضحًا أن هذه المادة تمثل حماية للجناة في القضايا المتعلقة بالتعذيب.

واعتبر أمين أن المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي جيدة، لكن فيما يتعلق بإعطاء النيابة العامة سلطة اتخاذ تدابير معينة، منها تحديد إقامة المتهم أو منعه من ارتياد أماكن معينة، تمثل مصادرة على حقوق المتهم وإخلال بقواعد المحاكمة العادلة ومبدأ البراءة، لكون المحكمة هي الوحيدة المختصة بإصدار تلك التدابير لاطلاعها على جميع ملابسات وأوراق ومستندات القضية.

وأوضح أن التعديلات المقترحة للقانون الآن لم تأت من أجل عدالة ناجزة، وإنما لإجراء محاكمات سريعة تفتقر إلى ضمانات المحاكمات العادلة، خصوصًا وأن الحكومة تعد تعديلات من أجل الظرف الراهن، رغم أننا في مرحلة انتقالية لا يجب أن تعدل منظومة الإجراءات الجنائية من أجلها، لافتًا إلى أن إدخال هذا التعديل الضخم على قانون الإجراءات الجنائية في الوقت الحالي يشوه منظومة الإجراءات في البلاد ويؤثر على مدى مصداقية محاكم الجنايات واستقلالية القضاء في مصر.

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن