قرار جديد يعزز من سلطات الأوقاف في مراقبة المساجد
فصل المزيد من الأئمة والخطباء بموجب القرار الجديد
 
 
 

أصدرت وزارة الأوقاف أمس الأربعاء، قرارًا بإعفاء «أئمة متطرفين» من العمل الدعوي. وقال رئيس القطاع الديني بالوزارة جابر طايع، المنوط بمتابعة «التجاوزات» التي يرصدها مفتشي الوزارة لـ«مدى مصر»: إن القرار «تأكيد لما سبق»، حيث أصدرت الوزارة قرارات مماثلة في الماضي لاستبعاد أئمة ترى أنهم «تجاوزوا في ممارساتهم الدعوية».

وقال طايع إن القرار هدفه «حماية المساجد من الاختراق»، ومن انتشار «أي فكر لا يتسق مع الفكر الأزهري الوسطي». مضيفا أن المتجاوزين يحالون إلى لجنة القيم التي «تفصل في الموضوع باتزان وإنصاف».

وقالت الوزارة في بيانها الصادر أمس إنها قررت «إعفاء أي إمام أو خطيب يتبنى فكرا متطرفا أو متشددا، أو يثبت انتماؤه لأي جماعة إرهابية أو متطرفة أو تبنيه لأفكارها، من صعود المنبر أو أداء الدروس الدينية بالمساجد»، بحسب ما نشرته الوزارة على موقعها.

وأضاف البيان أن الوزارة «ستحيل أي إمام أو خطيب يرتكب فعلا أويعمل عملا، لا يتناسب وأهليته لصعود المنبر إلى العمل الإداري»، وستمنعه من أداء الدروس الدينية في المساجد وإمامة الصلاة إذا كان معينًا. أما إن كان خطيبا بالمكافأة أو متطوعا: ستعتذر الوزارة له وتلغي تصريحه.

وقال خطيب من الوزارة فضل عدم ذكر اسمه لـ«مدى مصر»، إن القرار بمثابة تشديد لاجراءات قد تم اتخاذها من قبل، موضحا: «كانت الوزارة تتخذ إجراءات في السنوات القليلة الماضية ضد أي إمام يتهم في قضايا إرهاب أو تطرف، أو أي نشاط مضاد للدولة، أو يصدر ضده أحكام بشأنها» موضحًا أن قرار الأربعاء أعطى السلطة التقديرية للوزارة، دون انتظار أحكام قضائية أو مذكرات أمنية، على عكس ما كان متبعًا في السابق.

وبموجب القرار، ستكلف الوزارة مفتشي ومديري الإدارات والمديريات الإقليمية «بحصر التجاوزات ورفعها إلى المسؤولين المعنيين بالوزراة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم» بحسب نص البيان.

الضبطية الدينية

ويأتي القرار على خلفية إجراءات عدة اتخذتها الوزارة فور إنهاء حكم الإخوان المسلمين في يوليو 2013، سعيًا للسيطرة على المساجد وتقليص تواجد الأئمة المنتمين للجماعة أو المتعاطفين معها، وكذلك تقليص تواجد الأئمة المنتمين للتيارات السلفية.

وقال وزير الأوقاف محمد مختار جمعة حينها: إن الوزارة عزمت على اتخاذ خطوات للقضاء على «الانفلات الدعوي والأخلاقي» الذي نتج عن «جر المساجد في الصراع السياسي والحزبي».

وزير الأوقاف يلقي خطبة الجمعة

وفي حوار أجراه في سبتمبر 2013، أعلن جمعة عن خطة الوزارة للتحكم في الخطاب الدعوي بالمساجد الأهلية – غير المملوكة أو التابعة للاوقاف- من خلال ما أسماه بـ«الإشراف الدعوي»، مهددًا بقيام الوزارة بضم المساجد فور مخالفة الدروس الدينية الملقاة بها لمحددات معينة، لخصها الوزير في «المنهج الدعوي الوسطي الذي يراعي مصلحة الوطن، ولا يقوم بالتحريض أو السباب، ولا يستخدم المنابر في الهجوم علي مؤسسات الدولة أو الرموز الوطنية والدينية».

وبالفعل أصدرت الوزارة عدة قرارات لبسط سيطرتها على المساجد، التي أقر الوزير بأن آلاف منها هي مساجد أهلية لم تكن تقع تحت إشراف الوزارة. وكانت مراقبة الأئمة والخطباء جزء من هذه الإجراءات.

ففي سبتمبر 2014، أصدرت الوزارة قرار يلزم الخطيب المتطوع وخطيب المكافأة، وهو الخطيب الأزهري غير المُعيّن في الوزارة، بالحصول على تصريح من الأوقاف، وحددت شروطًا صارمة للحصول على هذه التصاريح.

كما شملت إجراءات السيطرة إلزام الدعاة بخطبة جمعة مكتوبة من الوزارة، يجري توزيعها على كافة المساجد، بعد أن كانت الوزارة تكتفي بتوحيد الموضوع فقط في 2013، الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من الأئمة والخطباء، الذين شككوا في جدواه وفاعلية تطبيقه.

المراقبة والعقاب

وصرح الشيخ محمد صبحي، الإمام بوزارة الأوقاف بمحافظة البحيرة لـ«مدى مصر» في تقرير سابق، بأن «القرار من الصعب تحقيقه بشكل عملي، خاصة في الأرياف والمناطق المتطرفة البعيدة عن رقابة الوزارة، لأنها تركز على مساجد كبرى بعينها… فمنذ تطبيق الخطبة الموحدة في 2013 لم يأت مفتش واحد من وزارة الأوقاف للتفتيش عليّ في المسجد الذي أعمل به».

وشملت إجراءات الوزارة لإحكام السيطرة على المساجد: استحداث شروط للزوايا التي يصرح لها بإقامة صلاة الجمعة، وإبعاد «كتب الإخوان» من مكتبات المساجد، فضلا عن تركيب كاميرات مراقبة في بعض المساجد، وضم مساجد جمعيات اتهمتها الوزراة ببث أفكار مناهضة للدولة، لتصبح تلك المساجد تابعة للوزارة.

وقال محمد نصار، رئيس شؤون القرآن والثقافة والإرشاد الديني بمديرية أوقاف القليوبية، إن آلية تطبيق القرار الجديد ما زالت غير واضحة. فما يعرفه أئمة المديريات إلى الآن هو نص القرار كما نشرته بوابة الوزارة الإلكترونية.

وأشاد نصار بالقرار معتبرًا إياه «تأكيد لاتجاه الوزارة منذ 2013 لإرساء خطاب ديني صحيح في المجتمع». موضحًا أن الوزارة أوقفت أئمة بالفعل في وقت سابق، لأسباب مثل التي ذكرها القرار الجديد. وشملت هذه الأسباب نشر “الأفكار الهدامة” والتحدث في السياسة.

لله أم للرئيس

تأتي تحركات وزارة الأوقاف استجابة لتأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي على «ضرورة تجديد الخطاب الديني». وكان أولها في خطاب ألقاه في احتفال بالمولد النبوي، أقامته وزارة الأوقاف وجامعة الأزهر في 2016، وتبنى الأزهر مناشدة الرئيس بإعلانه عن إطلاق خطة لتجديد الخطاب الديني بعد كلمة الرئيس ببضعة أشهر.

وشكك الباحث عمرو عزت، مسئول برنامج حرية الدين والمعتقد بـ«المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، في معيار «الفكر المتشدد» كمحدد لمن يتم إبعاده عن الدعوة، قائلا إن الانتماء السياسي هو الفيصل.

وقال عزت لـ«مدى مصر» إن القرار لا يختلف عن اتجاه الوزارة منذ 2013، الذي يأتي – في رأيه- في سياق رغبة النظام في «تطهير» المؤسسة من الإخوان المسلمين والقريبين منهم. موضحًا أن وقت الإخوان تغيرت معايير اختيار الأئمة، ما أتاح لهم ولمؤيديهم الانضمام للوزارة، وأبعدوا بعض من موظفيها وأئتمها الذين كانت لهم صلات بالأجهزة الأمنية والحزب الوطني.

وشدد عزت على أن الفكر بين أئمة الإخوان والأئمة غير المنتمين لهم، لا يختلف كثيرًا. ويصف عزت الإجراءات والقرارات التي تتبناها الأوقاف ضد الأئمة ذوي الخطاب المغاير، بكونها «إقصاء عكسي ورجوع إلى ما كانت عليه الأحوال قبل الثورة، حيث تقارير أجهزة الأمن تحدد من يعيّن ومن يستبعد، ويساعدهم في ذلك أئمة راغبون في التقرب من السلطة أو في الرجوع إلى مناصب فقدوها، قد لا يتحرجون من الإبلاغ عن زملائهم الذين يتبنون اتجاهات سياسية غير مؤيدة للنظام».

اعلان
 
 
عثمان الشرنوبي 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن