دراسة حقوقية عن القضاء المصري: «أداة للقمع»

أصدرت اللجنة الدولة للحقوقيين دراسة جديدة تحت عنوان «القضاء المصري: أداة للقمع»، دانت فيها النظام القضائي المعمول به في مصر، مشيرة إلى أنه ينتهك حقوق المتهمين قبل محاكمتهم، وأثناء وقائع محاكمتهم. كما أشارت الدراسة، التي صدرت نهاية الأسبوع الماضي، إلى الانتهاكات التي تستهدف استقلال القضاء وتلك الموجهة إلى القضاة أنفسهم وأعضاء في النيابة العامة.

وتحت باب الانتهاكات التي استهدفت استقلال السلطة القضائية، قالت الدراسة إنه أثناء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة “تم الالتفاف حول المحاكم العادية عن طريق استخدام المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة طوارئ في محاكمة المدنيين. على سبيل المثال مدد المجلس العسكري من حالة الطوارئ ما مهد الطريق أمام إحالة القضايا -كلما شاء المجلس العسكري-إلى محاكم أمن الدولة طوارئ. كما مدد المجلس الأعلى من دور القوات المسلحة في إنفاذ القانون، بما يشمل منح الضباط العسكريين سلطات موسعة في توقيف الأفراد وزيادة المحاكم العسكرية التي تحاكم المدنيين. رغم تجميد مجلس الدولة لتنفيذ الضبطية القضائية الموسعة للجيش، فقد حوكم أكثر من 11 ألف مدني أمام محاكم عسكرية”.

وواصل التقرير الرصد للانتهاكات في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، “في أكتوبر 2012 وفي أعقاب الغضب الشعبي جرّاء براءة مؤيدي الرئيس السابق مبارك من دورهم المزعوم في الاعتداءات العنيفة على المتظاهرين، حاول الرئيس مرسي عزل النائب العام الذي كان قد عينه مبارك، عبد المجيد محمود، إذ قرر تعيينه سفيرًا في الفاتيكان. لكن رفض هذا الأخير الاستقالة. في الشهر التالي أصدر مرسي إعلانًا دستوريًا منحه سلطات موسعة، منها القدرة على تعيين نائب عام جديد. وبعدها عين طلعت عبد الله نائبًا عامًا (..) كذلك نص الإعلان على أن الإعلانات والقوانين والقرارات الصادرة عن الرئيس نهائية وملزمة ومحصنة من المراجعة القضائية”.

وبعد عزل الرئيس محمد مرسي، رصد التقرير عددًا من الانتهاكات التي استهدفت استقلال السلطة القضائية، بما في ذلك تغيير مكان انعقاد المحاكمات إلى مقار تديرها وزارة الداخلية، بما يترتب عليه منع كل المتابعين للقضايا والمحاميين وأهالي المحاكمين من حضور الجلسات إلا بإذن من القاضي. بالإضافة إلى إصدار رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي قرارًا في أكتوبر 2014 يوسع نطاق اختصاص المحاكم العسكرية، ما أدى، في حينها فقط، إلى نظر 3 آلاف قضية للمدنيين أمام القضاء العسكري.

وتحت باب الانتهاكات التي رأت أن النيابة العامة مارستها، أشارت الدراسة إلى “مقاضاة الأفراد رغم غياب الأدلة ضدهم، بغرض وحيد هو ترهيب وإسكات الشهود على انتهاكات حقوق الانسان”.

وضربت الدراسة المثل الأدق على ذلك بقضية المحامية عزة سليمان، والتي حاولت أن تدلي بشهادتها على قتل قوات الأمن المركزي الناشطة اليسارية شيماء الصباغ، ونسبت الدراسة لتقارير قولها إن “النيابة رفضت في البداية أخذ أقوالها وحذرتها من أنها إذا أصرت فسوف تتعرض هي نفسها للملاحقة القضائية.. وفي 23 مايو 2015 تغير بالفعل وضع سليمان من شاهدة إلى متهمة، وتم ملاحقتها بموجب قانون التظاهر”.

وأضافت الدراسة المزيد من الانتهاكات، مشيرة إلى ممارسة الاحتجاز مع منع الاتصال بالخارج “منذ عزل الرئيس مرسي استمر احتجاز الأفراد انفراديا لمدة شهور، مع حرمانهم من أي تواصل مع المحامين”، وضربت الدراسة المثل بعدة قضايا من بينها قضية أنصار بيت المقدس التي اتهم فيها أكثر من 200 شخص باتهامات خطيرة. وكذلك قضيتي التخابر مع دولة أجنبية والهروب من السجون، والمتهم فيها عدد كبير من أعضاء الإخوان المسلمين على رأسهم الرئيس الأسبق محمد مرسي.

ولفتت الدراسة إلى “تفضيل أعضاء النيابة والقضاء للأمر بالحبس الاحتياطي. وذلك مخالف للقوانين والمعايير الدولية، إذ أنه من حق قاضي التحقيق أن يأمر بالحبس على ذمة القضية احتياطيًا إذا كان المتهم قد اتهم بجريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة لا تقل عن سنة إذا كان المتهم متلبسا، أو وجود مخاوف من التعرض لسير التحقيق أو التأثير على الشهود أو الضحية أو التلاعب بالأدلة، وأخيرًا لوجود ضرورات تتعرض بالأمن والنظام العام”.

وبحسب الدراسة، فإن النيابة مارست “عدم احترام الحق في الاستعانة بمحام وضمان الوقت والتسهيلات الكافية لتحضير الدفاع، وعدم ضمان أعضاء النيابة والقضاة إطلاع المحامين على كافة المعلومات وتمكنهم من الوقت والتسهيلات الكافية، وعدم ‘خطار المحامين بمواعيد ومواقع الجلسات مقدمًا”.

وتحت عنوان “الحقوق أثناء المحاكمة” أشارت الدراسة إلى عدة انتهاكات يتعرض لها المحاكمين بعد إحالتهم للمحاكمة. وهي:

أولا: تطبيق القضاة للقوانين التي تنتهك حقوق الإنسان ورفضهم الطعن بعدم الدستورية. “منذ يوليو 2013 ومئات الأفراد في مصر يخضعون للمحاكمات ويدانون لإقدامهم على ممارسة حقوقهم السلمية بحرية التعبير والتجمع، في وقت تبنى فيه هذه الأحكام على قوانين تتعارض في جوهرها مع الحقوق المكرّسة في الدستور المصري لسنة 2014 وفي الاتفاقيات الدولية التي سبق لمصر أن صادقت عليها كدولة طرف”.

كما أشارت الدراسة إلى القانون 107 لسنة 2013 بشأن التظاهر والاعتصام، والذي يتعارض مع المادة 73 من الدستور، المقرة بحق المواطنين في الاحتجاج السلمية.

ثانيا: إخفاق القضاة في ضمان براءة المتهم، والحق في تكافؤ الفرص وحقوق الدفاع والحق في محاكمة المتهم حضوريا. وذلك من خلال احتجاز المتهمين في أقفاص عازلة للصوت أثناء المحاكمة، وتعرض المحامين للإساءة وإخضاعهم للتحقيق والاحتجاز بسبب حضورهم إلى مراكز الشرطة من أجل الدفاع عن موكليهم، وإحالة المحايين للتحقيق الجنائي من قبل القضاة، وحرمان المتهم أو تقييد قدرته على تقديم الأدلة، واستدعاء شهود النفي واستجواب شهود الإثبات من قبل الدفاع.

ثالثا: إخفاق القضاة في عقد جلسات عامة، حيث أصدر وزير العدل، منذ سنة 2003، قرارات عدة أحال بواسطتها دعاوى جنائية فردية من مباني المحاكم العادية إلى أكاديميات الشرطة. ومن المعلوم أن هذه المباني تخضع لسيطرة وزارة الداخلية وتكون في العادة مغلقة تماما للعامة، بما في ذلك العاملون في المؤسسات الإعلامية وأفراد عائلة المتهم.

رابعا: إخفاق القضاة في ضمان افتراض البراءة، وتوجيه إدانات تقوم على أحكام غير مسببة ومن دون إثبات الإدانة الشخصية، وإدانات في غياب دليل معقول، بما في ذلك الامتناع عن اعتبار أو احتساب أدلة النفي.

خامسا: فرض عقوبة الإعدام بعد محاكمات غير عادلة بشكل صارخ، وضربت في هذا الصدد المثل بالحكم على 91 حالة بالإعدام في سنة 2012، و109 حالة في 2013، و509 حالة في 2015، بالإضافة إلى تنفيذ 15 حكمًا بالإعدام في السنة نفسها، وكان معظم هذه الأحكام قد نتج عن قائمة طويلة من انتهاكات المحاكمة العادلة، وفي بعض الحالات كان المحكوم عليهم دون 18 سنة عند ارتكاب الجريمة. هذا غير إعدام ستة متهمين مدنيين بناءً على إدانتهم من المحكمة العسكرية بالمشاركة في اعتداءات على أجهزة أمنية.

وأشارت الدراسة إلى أحكام الإعدام الجماعية، وقالت: “في عدد كبير من القضايا لجأ القضاة إلى فرض عقوبات جماعية بالإعدام أو بالسجن لفترات طويلة على العشرات بل المئات من الأفراد. وقد استخدمت هذه المحاكمات الجماعية باستمرار لملاحقة الداعمين المحتملين للإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية”.

إلى ذلك، تعرضت الدراسة إلى الإجراءات التأديبية في حق الكثير من القضاة، والتي بدأت في يوليو 2013 حين بوشرت دعوى تأديبية ضد 75 قاضي وقعوا على بيان طالب بصيانة الحق الدستوري في التظاهر، مطالبين باستمرار العمل بالدستور. وفي أغسطس 2013 وُجهت إجراءات تأديبية ضد 15 قاضي بدعوى عضويتهم في جماعة “قضاة من أجل مصر”. وفي أبريل 2014 أحيل 56 قاضي إلى مجلس التأديب تم عزل 31 منهم بدعوى “عدم قدرتهم على تأدية عملهم”. بالإضافة لعزل 12 قاضي بدعوى تعاطفهم مع بيان يوليو 2013، واستبعاد 30 قاضي من دوائر عملهم دون أسباب.

وأوصت الدراسة السلطة المصرية بعدة توصيات، أهمها، وضع حد لتدخل السلطة التنفيذية في الشؤون القضائية بما في ذلك عزل أعضاء النيابة العامة، ووضع حد لاستخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، ووقف القرارات التنفيذية التي تأمر بنقل جلسات الدعاوى الجنائية خارج المحاكم، وإبطال جميع الإدانات والعقوبات الصادرة بحق مدنيين أمام المحاكم العسكرية، وإنشاء مدونة للسلوك القضائي، ووضح حد للحبس الانفرادي للمتهمين وإلغاء العمل بقانون التظاهر.

اعلان

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن