أصبح نادرًا أن تسمع أو تقرأ عن حادثة عنف طائفي في مصر دون توقع حدوثها في المنيا، التي تواترت فيها الحوادث الطائفية خلال الأشهر الأخيرة بشكل سريع، فلم تكد تمر أسابيع قليلة على فتنة قرية الكرم التي جرد فيها مسلمون سيدة قبطية من ملابسها في الشارع، حتى تم الاعتداء على عائلتي إثنين من رجال الدين المسيحي في قرية طهنا الجبل الأسبوع الماضي، لُيثار مجددًا التساؤل حول سبب ابتلاء عروس الصعيد أكثر من غيرها بداء الفتنة الطائفية.
وفقاً لتقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، شهدت المنيا وحدها عشرة حالات توتر وعنف طائفي في الشهور السبعة الماضية، و77 حالة منذ يناير ٢٠١١.
أرجع بعض أهالي المنيا تفردها بمعدل عالي للأحداث الطائفية للطبيعة السكانية والثقافية للمحافظة التي تشهد أعلى نسبة لتركز الأقباط في محافظات الجمهورية، وفي نفس الوقت تعتبر واحدة من معاقل الجماعات الإسلامية، بالإضافة إلى العوامل العامة من ضعف رد الفعل الرسمي وضعف مستوى التعليم والاقتصاد.
أدت فتنة طهنا، الذي راح ضحيتها شخص وأُصيب ثلاثة آخرون، في رد فعل قوي من رجال الدين المسيحي، الذين ابتعدوا عن موقف الكنيسة التقليدي من دعم للحلول العرفية، مطالبين بالمحاكمة الجنائية للجناة ومستنكرين تقصير الحكومة في التعامل مع مشكلة العنف الطائفي. وكان رد الفعل الأول من الانبا مكاريوس، أسقف عام المنيا وأبو قرقاص، شديد اللهجة بعد تعاقب الحوادث في منطقته، فكتب عبر حسابه الخاص على تويتر: “للتذكرة فقط.. سيادة الرئيس: الأقباط مصريون، المنيا محافظة مصرية”. كان الأنبا مكاريوس قد طالب في الإعلام في الفترة الأخيرة بعد أحداث أخرى مماثلة بتطبيق القانون على المعتدين.
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تعد المنيا سادس محافظات مصر في عدد السكان، حيث يقطنها أكثر من ٥ ملايين شخص. ويقول إسحاق إبراهيم، الباحث المتخصص في حقوق الأقليات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن التعامل اليومي بين المواطنين وسط هذه الكثافة السكانية هو أحد أسباب ارتفاع معدل الحوادث الطائفية في المنيا، خصوصًا وأن ثلث سكانها تقريبًا من الأقباط.
يتذكر حمادة زيدان، مؤسس مركز مجراية للفنون بالمنيا، كيف شهد منذ الصغر نظام من الفصل بين المسيحيين والمسلمين بأغلب مناطق المحافظة بطريقة تتيح الفرصة للتعصب.
“المجتمع مقسوم نصفين، هناك قرى كاملة مسيحية وقرى كاملة مسلمة، وكذلك أحياء مسيحية وأحياء مسلمة، عندنا مشكلة كبيرة أن الناس يعيشون مع بعض دون أن يعرفوا بعضهم، وينشأون منذ الصغر على رفض الآخر، الكنيسة تعتبر دولة ثانية في الصعيد، منذ الصغر يدخل الولد المسيحي الكشافة التابعة للكنيسة، ويذهب إلى رحلات مع الكنيسة، وعلى الجانب الآخر يتأثر المسلم بخطاب الجماعات السلفية، ومنهم المتطرفين فيخرج الإثنان مشحونين ومع أي كبريت تولع الدنيا”.
المنيا أحد أهم معاقل الجماعة الإسلامية منذ تأسيسها في السبعينيات، ولا زالت تحوى قيادات الكثير من الحركات الإسلامية المتطرفة. ويرى إبراهيم أن تأثير الجماعات الإسلامية في المحافظة ليس فكري فقط، فمع الإهمال من الدولة ودرجات الفقر في المحافظة، يصبح العمل الخيري والمساعدات التي تقدمها تلك الجماعات جزء أساسي يعتمد عليه المواطن، مما يجعل ولاؤه لتلك الجماعات.
وضع تحديث لترتيب المحافظات الأكثر فقرًا في مصر، أعده الصندوق الاجتماعي للتنمية عام ٢٠١١، المنيا في المرتبة الثامنة بنسبة فقر تقترب من ٣٥٪. كما أوضحت خريطة الفقر بمصر لعام ٢٠٠٧، والتي تصدرها الحكومة، أن ثلاثة ملايين من سكان المحافظة يقطنون قرى من ضمن الألف قرية الأكثر فقراً على مستوى الجمهورية.
يقول ريمون مكرم، مؤسس جبهة الشباب الليبرالي المقيم بالمنيا، إن “أغلب الحوادث الطائفية تبدأ بخلاف شخصي أو حادث جنائي، ثم مع تأخر رد الفعل الأمني وبسبب التعصب المنتشر في المحافظة، يتعصب كلٌ لطائفته بشكل يتعلق بالقبلية أكثر منه تعصب ديني، ثم يأخذ الأمر شكل طائفي”. ويضيف: “بعض الموروثات المتعلقة بالتعصب، والتي خف أثرها في الوجه البحري والقاهرة نتيجة التعليم ودرجة من الانفتاح الثقافي، لا زالت موجودة في المنيا بشكل كبير بسبب ضعف التعليم وغياب الوعي”.
كان هذا هو الحال في الاعتداء الطائفي الأخير، الذي قال شهود عيان أنه بدأ بمشاجرة بين شباب، ثم أخذت منحى طائفي. ولكن حوادث أخرى بدأت طائفية من البداية، مثل اعتداء مئات المسلمين على منازل أقباط بقرية نزلة أبو يعقوب هذا الشهر بدعوى تحويل أحد المنازل إلى كنيسة، وتم الصلح في هذا الحادث بحضور عمدة القرية يوم السبت الماضي. ورغم موقف الأنبا مكاريوس الصارم في بداية الأزمة إلا أنه أعلن في مداخلة تليفونية بأحد البرامج أن الصلح كان مُرضيًا ومختلف عما سبق، حيث تضمن اعتذار وتعويض للمتضررين وتعهد بعدم التعرض لهم.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي تطرق للأمر في خطاب له يوم الخميس الماضي بحفل تخريج دفعة جديدة من طلبة المعاهد العسكرية. أكد السيسي أن كل المصريين سواء وأن المخطئ سوف يحاسب، كما حذر من محاولات الوقيعة بين المصريين والتعامل مع هذه الحوادث بشكل غير موضوعي، كما قال أن تأسيس المساواة في عاداتنا وتقاليدنا ستأخذ وقت.
ولكن إنعدام المحاسبة يظل هو النقطة الأولى التي يشير إليها الجميع بالمنيا كسبب في استمرار حوادث العنف الطائفي. يقول الأهالي إن إنتهاء الحوادث، والتي تتضمن جرائم، بالجلسات العرفية يعد بمثابة تشجيع دائم للطرف المعتدي على أن يستمر في عدوانه بلا رادع ويزيد من شعور المسيحيين بالعجز والاستضعاف.
يقول البعض أن هناك صعوبة في تنفيذ الرغبة السياسية في إصلاح الوضع مع تواجد ممثلين محليين للدولة يعتبروا جزء من المشكلة مع تأثرهم بنفس العوامل التي تتيح المجال للتعصب في المنطقة. يقول عاطف شوقي، رئيس اتحاد الصيادين بالمنيا إن بعض عناصر الأمن والمصالح الحكومية يكررون نفس الأداء المتعصب للأهالي، متذكرًا ذهابه إلى السجل المدني لاستخراج بعض الأوراق حين نظر إليه عميد شرطة باندهاش متسائلاً: “مسيحي وماسك شيخ صيادين؟!”، وألقى ببطاقته في وجهه.
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر
أشترك الآن