اعتداءات المنيا الطائفية في طريقها للنهاية المعتادة بـ”صلح عرفي”
 
 

رغم توالي صدور بيانات الإدانة لاعتداءات “أبو قرقاص” الطائفية في المنيا لليوم الثالث على التوالي، إلا أن الواقعة التي أثارت ردود أفعال واسعة بدت في نهاية اليوم الجمعة في طريقها إلى النهاية المعتادة لجرائم العنف الطائفي بتوسط ممثلي الدولة بين طرفي الجاني والضحية لإتمام “صلح عرفي” خارج نطاق القانون.  

ودخل رئيس الجمهورية على خط الأزمة -التي تعد الاختبار الأكبر لعلاقته بالمواطنين الأقباط الذي يحظى بتأييد واسع بين صفوفهم- في بيان أصدره أمس الخميس، فيما أخذت تفاصيل جديدة تتكشف حول الاعتداءات التي صدمت كثيرين منذ ظهور التقارير الأولى عن تعرية وإذلال سيدة مسيحية مسنة من أهل القرية.

وتشير التفاصيل الجديدة إلا أن الاعتداءات، وإن كانت أنباؤها لم تصل للرأي العام إلا أول أمس الموافق 25 مايو، قد بدأت منذ يوم الجمعة السابق الموافق 20 مايو.

فقد ذكر إسحق إبراهيم، مسؤول ملف الحريات الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن قرية الكرم التابعة لمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا شهدت بوادر لتوتر طائفي بعد أن ترددت فيها أنباء عن علاقة جمعت بين شاب قبطي يدعى أشرف عطية وزوجة صديقه المسلم، بعد خلافات بين الزوجين أدت إلى طلب الزوجة للطلاق.

وبعد انتشار التهديدات ﻷسرة عطية قرر الهروب بأطفاله اﻷربعة من القرية، وتوجهت والدته يوم الخميس 19 مايو إلى مركز شرطة أبو قرقاص للإبلاغ عن التهديدات التي تلقتها العائلة، طبقًا لما أفاد به إبراهيم في مقابلة مع “مدى مصر”.

وبحلول الثامنة من مساء اليوم التالي، الجمعة، قام العشرات بمهاجمة منزل العائلة المسيحية، ونهب بعض ممتلكاته، وإحراقه. كما أخرجوا والدة عطية من منزلها بالقوة إلى الشارع وقاموا بجرها والاعتداء عليها، وهو ما تسبب في تمزق ملابسها بالكامل.

وامتدت الاعتداءات المتكررة إلى عدد آخر من منازل المسيحيين في القرية طوال يوم الجمعة، دون أي تدخل أمني.

وأضاف إبراهيم أن والدة عطية حين توجهت إلى مركز الشرطة مجدداً بعد يومين لتحرير محضر بشأن الاعتداء عليها، قررت الشرطة طردها من المركز دون تمكينها من تحرير المحضر، وهو ما أكده بيان صادر عن مطرانية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في المنيا.

ورغم مرور ما يقرب من أسبوع على الاعتداءات إلا أن أي جهة رسمية أو كنسية لم تصدر بيانًا بخصوص الواقعة حتى أول أمس، اﻷربعاء، حين أعلنت مطرانية المنيا في بيان لها عن الاعتداء على والدة الشاب القبطي أشرف عطية.

وعلق البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في تصريحات نقلتها عنه صحيفة المصري اليوم من النمسا حيث يقوم بزيارة للعلاج- حسب تصريحات الكنيسة- بأنه يتابع ما تعرضت له السيدة القبطية بالمنيا، ويطمئن على حالتها الصحية والنفسية. ودعا البابا إلى “ضرورة ضبط النفس والتزام التعقل والحكمة للمحافظة على السلام الاجتماعي والعيش المشترك”، مطالبًا بـ “[إغلاق] الطريق على كل من يحاول المتاجرة بالحدث لإشعال الفتنة”.

وأصدرت الكنيسة الأرثوذكسية بيانًا أعلنت فيه أن البابا قرر تفويض الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا للتعامل في الحادثة. كان اﻷنبا مكاريوس قد أصدر بيانًا أعلن فيه أن الكنيسة ترفض بشكل تام “تحويل قضية الكرم إلي جلسات الصلح وتطييب الخواطر قبل قيام أجهزة الدولة بدورها في محاسبة المتسببين الحقيقيين”.

من جانبه، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس، بيانًا دعا فيه “كافة الأجهزة المعنية بالدولة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لحفظ النظام العام وحماية الأرواح والممتلكات فى إطار سيادة القانون، ومحاسبة المتسببين فى هذه الأحداث وإحالتهم للسلطات القضائية المختصة”.

وأضاف البيان أن “هذه الوقائع المثيرة للأسف لا تُعبر بأي حال من الأحوال عن طبائع وتقاليد الشعب المصري العريقة، والذي أسس الحضارة البشرية وحارب من أجل نشر السلام”.

وفي تعليق على البيان، وجه مكاريوس رسالة للرئيس شكره فيها على تدخله، حسب تقارير صحفية. وقال مكاريوس في رسالته إلى السيسي إلى أن المنيا تعاني من العديد من المشاكل، وأنه “بقدر أهميتها وعظمتها فهي تمثل خطورة بالغة، طالما يستمر تجاهلها من الحكومات المتعاقبة، كما هو حدث على مدار عقود من الزمن” منهيًا رسالته بطلب من الرئيس إعادة النظر في المحافظة والمتابعة الشخصية منه.

وتأتي المنيا في المركز الأول بين محافظات الجمهورية بنسبة 33.3% من جميع حالات العنف الطائفي خلال الفترة من يناير 2011 وحتى منتصف 2015، وذلك طبقًا لدراسة نشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان “في عرف من؟“، عن دورجلسات الصلح العرفية في النزاعات الطائفية.

ووفقا للدارسة، فإن 45 من حالات العنف الطائفي -من أصل 150 حالة شملتهم الدراسة- قد انتهت بجلسات للصلح العرفي خارج إطار القانون. وكانت تلك الأحداث قد أسفرت عن سقوط 116 قتيل والمئات من الجرحى، وهو إحصاء لا يشمل حالات العنف الطائفي التي صاحبت أو تلت فض اعتصامي رابعة والنهضة في صيف 2013، ولا حالات الحرق والنهب، فضلًا عن حالات أخرى لم يتسنى لفريق البحث توثيقها. وتوزعت أسباب وقوع أحداث العنف الطائفي بين منع صلاة المسيحيين أو وجود علاقات عاطفية أو جنسية بين شخصين مختلفي الديانة، أو التعبير عن الرأي في مسائل دينية والمشاجرات اﻷهلية والعنف السياسي.

 

وأوضح إبراهيم، الذي شارك في إعداد الدراسة، أن زيادة الحوادث في محافظة المنيا يرجع إلى التواجد المسيحي الكبير هناك، والذي يتسبب في زيادة فرص الاحتكاك ونشوب المشاكل. وأضاف إبراهيم- وهو أحد أبناء محافظة المنيا- أن التركيبة العائلية والقبلية في المنيا تغيب عنها العائلات الكبيرة التي تستطيع في محافظات أخرى احتواء حوادث منها هذا النوع بشكل مبكر، حيث تغلب على تركيبتها السكانية العائلات الصغيرة إضافة إلى القبائل العربية ناحية الظهير الصحراوي الغربي للمحافظة.

وكما هو معتاد، صرح النائب عمرو غلاب، عضو مجلس النواب عن دائرة المنيا، أن “نواب المنيا كافة وكبار رجال الدين من الجانبين سيجتمعون لإنهاء هذه الأزمة خلال ساعات”، مؤكدًا أن “الصلح المطروح سيكون من أجل وأد هذه الفتنة وعدم تجددها مرة أخرى والبحث في أسبابها، علمًا بأن من له حق سيأخذه، ولن نميل لطرف على حساب طرف أيا كان”.

ويرى إبراهيم أن دعم العرف على حساب القانون مستمر بموافقة اﻷجهزة اﻷمنية والنيابة العامة والمؤسسات الدينية، مشيراً إلى أن دراسته قد انتهت إلى أن اﻷنظمة السياسة المتعاقبة كرّست طوال الوقت لفكرة التعامل مع اﻷقباط “باعتبارهم رعايا تمثلهم الكنيسة وتنوب عنهم، وليس باعتبارهم مواطنين كاملي الحقوق”.

ويضيف إبراهيم أن عددًا كبيرًا من ضحايا العنف الطائفي من المسيحيين يوافقون على ما تنتهي إليه جلسات الصلح العرفي رغم قسوة أحكامها بسبب غياب ثقتهم في قدرة الدولة على ضمان حقوقهم، موضحاً أن بطء إجراءات التقاضي تدفع بالعديدين إلى الموافقة عليها.

لكن موافقة الضحايا على الصلح لا يعفي الحكومة من مسؤولية استمرار السعي وراء مرتكبي هذه الجرائم. فطبقًا لقانون الاجراءات الجنائية، فإن تنازل الضحايا في حالات العنف عن الشق المدني من دعواهم لا يمنع النيابة العامة من المضي في إجراءات المحاكمة ﻹعادة حق المجتمع، بغض النظر عن تنازل عن الحق الشخصي، حسبما أوضح إبراهيم.

وفيما تسارعت إجراءات إتمام “الصلح” سعياً إلى احتواء الواقعة بإغلاق ملفها، توالت بيانات اﻹدانة من مختلف اﻷطراف، حيث أعرب المجلس القومي للمرأة أمس، الخميس، في بيان له عن إدانته لحادث الاعتداء على السيدة القبطية، مطالباً “بضرورة إنزال العقاب الرادع على المذنبين والمتسببين في هذه الواقعة دون تردد”.

كما أعلنت مؤسسة “بيت العائلة” التي يرأسها كل من شيخ الأزهر أحمد الطيب والبابا تواضروس، عن قرار شيخ اﻷزهر إرسال 20 واعظًا من الأزهر الشريف “لوأد فتنة حادث السيدة القبطية بأبو قرقاص”.

كان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد قام بزيارة هي اﻷولى من نوعها لكاتدرائية العباسية لتهنئة اﻷقباط بعيد الميلاد في يناير من العام الماضي، وهي الزيارة التي تكررت أيضًا هذا العام. وقال السيسي خلال زيارته التاريخية التي استغرقت دقائق معدودة إن هذا المشهد “يعكس وحدة المصريين الحقيقية”، ويؤكد للعالم “أننا جميعًا مصريون فقط، وسيحب بعضنا البعض بجد دون أي تفرقة”.

 

اعلان
 
 
محمد حمامة 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن