في عام 2015 شهدت مصر أخباراً اقتصادية مبشرة، حيث وصل معدل النمو الكلي إلى 4.2 في المئة للعام المالي الذي انتهى في يونيو 2015، ليسجل بذلك أقوى أداء على مدار خمس سنوات. كما تحركت مؤشرات أخرى، مثل عدد السائحين واحتياطي النقد الأجنبي والبطالة، على نحو إيجابي في مطلع العام.
اضطرت وزارة التخطيط المحللين إلى الانتظار حتى شهر ديسمبر قبل أن تعلن عن وصول معدل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 4.2 في المئة في العام المالي 2014/2015، والذي انتهى في شهر يونيو الماضي. سجل ذلك أقوى أداء نمو منذ الثورة في عام 2011- وذلك بعد مراجعة الحسابات السابقة وتخفيضها، والتي حددت نمو الربع الأول ونهايته سبتمبر والثاني ونهايته ديسمبر بمعدل 6.8 و4.3 على الترتيب. وجاء القسم الأعظم من هذا النمو بفضل إنفاق الحكومة وتحسن الأداء في قطاع السياحة في النصف الأول من العام.
لم تعلن بيانات العام المالي الجاري حتى الآن، لكن مؤشر مديري المشتريات- وهو استبيان شهري تشارك فيه الأعمال التجارية بالقطاع الخاص- قد يعطينا لمحة عما ينتظرنا. فقد سجلت الشركات المشاركة في الاستبيان توسعًا في النشاط التجاري في شهري أغسطس وسبتمبر، أعقبه انكماش حاد في شهري أكتوبر ونوفمبر.
ومن حيث احتياطي النقد الأجنبي جاء أداء مصر في مطلع شهر ديسمبر أفضل قليلاً مقارنة مع نفس الوقت في العام الماضي. ويعود ذلك بشكل كبير إلى المبلغ الذي أودعه حلفاء مصر من الخليج العربي في البنك المركزي في شهر إبريل وقيمته 6 مليارات دولارٍ. كما طرحت مصر سندات دولارية بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي في شهر يونيو. وقد صدرت مؤخرًا موافقة البنك الأفريقي للتنمية على قرض بقيمة 500 مليون دولارٍ أمريكي وكذلك موافقة البنك الدولي على قرض بقيمة مليار دولارٍ أمريكي، ومن المتوقع أن ينعش ذلك احتياطي النقد الأجنبي مجددًا في شهر ديسمبر.
ومع ذلك فقد عانت البنوك والشركات من نقصٍ حادٍ في الدولارات، ما زاد من صعوبة استيراد السلع والأجهزة الضرورية. كما زادت هذه المعاناة نظرًا لإجراءات ضبط العملة، والتي استهدفت القضاء على السوق السوداء وتقييد التحويلات الخارجية.
انخفض سعر صرف الجنيه الرسمي من 7.14 جنيها للدولار الواحد في مطلع يناير إلى 7.73 جنيها بتاريخ 24 ديسمبر، وهو معدل انخفاض يزيد عن 8 في المئة. ومع السماح للبنوك بزيادة عشرة قروش إضافية عند بيعها للدولار أصبح السعر الرسمي للمستهلك الآن 7.83 جنيهات.
ومن أبرز أحداث العام التخفيض المتكرر لقيمة العملة في شهري يناير وفبراير، ثم مرات أخرى في أواخر يونيو وبداية يوليو ومنتصف أكتوبر. لكن هذا التوجه أخذ مساراً معاكساً في 11 نوفمبر بعد استقالة محافظ البنك المركزي هشام رامز، وقد قام المحافظ الجديد بدعم الجنيه بمعدل 20 قرش.
لكن معظم النقد الموجه للبنك المركزي فيما يخص سعر الصرف كان يتعلق بتخفيض قيمة الجنيه أقل من اللازم وليس أكثر من اللازم. فقد وجهت انتقادات حادة لرامز قبل استقالته بسبب تثبيت سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في الوقت الذي تضاءل فيه احتياطي النقد الأجنبي. ووفقًا لبحث أجرته فاروس القابضة للاستثمار المالي، فإن معظم الأعمال التجارية تتوقع ثبات سعر الصرف عند 8.5 إلى 9 جنيهات للدولار الواحد وتحدد ميزانياتها على هذا الأساس.
أحد أسباب تردد البنك المركزي في السماح بانخفاض قيمة الجنيه بسرعة كان التضخم الذي حافظ على نسبته العالية. ونظراً لشدة اعتماد مصر على الواردات من السلع الأساسية والكماليات، فإن إضعاف قوة الجنيه الشرائية عالميًا يهدد بمستويات أعلى من التضخم.
انخفضت معدلات البطالة الرسمية في بداية عام 2015، وإن كانت ما تزال أعلى من معدلات عام 2015. ونسب المسؤولون هذا الانخفاض في البطالة إلى انتعاش الأنشطة الاقتصادية، وكذلك إلى حشد أعداد كبيرة من العمال في مشاريع بنية تحتية ضخمة مثل مشروع التوسع في قناة السويس.
تؤكد بيانات السياحة بوضوح على أن قطاع السياحة في مصر شديد التأثر بالأحداث السياسية والاقتصاد العالمي. فقد انهارت السياحة في عام 2013 عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو وفض اعتصام رابعة العدوية، والذي أسفر عن مصرع المئات في شهر أغسطس. وفي بدايات عام 2014 تحسن القطاع تحسنًا طفيفًا، لكنه تلقى ضربة قوية بعد انهيار الروبل الروسي في نوفمبر.
كما كانت البداية في 2015 مبشرة، حيث زاد معدل النمو على مدار شهر يوليو على نحو معتدل لكنه ثابت مقارنة بالعام الماضي. وبالرغم من عدم صدور الأرقام الخاصة بالشهور الأخيرة حتى الآن، لكن من المرجح أن يستمر توجه الهبوط الذي بدأ في سبتمبر الماضي. وعلاوة على زيادة الاضطرابات في المنطقة بشكل عام، شهدت مصر هجمتين قاتلتين على السائحين: الأولى في سبتمبر عندما قتل الجيش المصري عن طريق الخطأ ثمانية سائحين وأربعة مرشدين وسائق في الصحراء الغربية، والثانية في أكتوبر عندما تحطمت الطائرة الروسية في سيناء حيث مات 224 شخصًا على متنها.
نما حجم استدانة مصر من الخارج في عام 2015 على نحو سريع، ومن المتوقع أن تزداد الديون حجمًا بعد دخول قرضي البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية في الحسبة. ومع ذلك فالقسم الأكبر من ديون الحكومة محلي، ومعظمه في صورة أذون وسندات خزانة. وفي ظل تجاوز معدل إنفاق الحكومة لمعدل عائداتها سيظل الاقتراض لازمًا لتغطية العجز المالي كما سيظل السبب الرئيسي فيه، حيث خصصت 28 في المئة من موازنة العام الجاري لتغطية فوائد المستحقات. ولقد وصلت ديون مصر المحلية وفقًا للبنك المركزي إلى 88 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في يونيو 2015، لتنخفض بذلك من معدل 90.9 في المئة الذي سجلته في يونيو 2014. أما الدين الخارجي فقد شكل 15 في المئة إضافية من إجمالي الناتج المحلي في يونيو 2015، لكنه انخفض إلى 12.6 في المئة في شهر سبتمبر.