“المواطن 4”.. الصراع على المعلومة بين الحكومة والشعب
 
 

في شهر يناير عام 2013، اتصل شخص عرَّف نفسه باسم ”المواطن 4“، بمخرجة الأفلام الوثائقية لورا بويتراس، طالبًا مفتاح شفرتها لإرسال مراسلات إلكترونية مشفرة.

ومع حلول شهر فبراير كان الرجل الذي اتضح لاحقًا أنه إدوارد سنودن، والذي كان يعمل بتعاقد من وكالة “الأمن القومي الأمريكية”، قد نقل إليها معلومات مفصلة عن طريق الاتصال المشفر عن برامج “مراقبة الوكالة”، ونصحها بالعمل مع صحفيين آخرين مثل جلن جرينولد لنشرها على الرأي العام.

وفي أبريل، قابلت بويتراس جرينولد في الوقت نفسه تقريبًا الذي أعلن فيه سنودن أنه سوف يفصح عن هويته. وتقابل ثلاثتهم مع يوين ماكاسكيل، مراسل الدفاع والاستخبارات في واشنطن لجريدة “الجارديان”، في هونج كونج التي هرب إليها سنودن.

وبعد فترة قصيرة نشرت جريدتا “الجارديان” و”الواشنطن بوست” أول التحقيقات بناءً على وثائق سنودن عن برنامج ”بريزم“ (برنامج وكالة الأمن القومي لجمع بيانات عملاء شركة “فيرايزون”، وكذلك بيانات من جوجل وياهو ويوتيوب وآبل وشركات أخرى)، وتعليمات باراك أوباما السرية للبنتاجون بتشكيل قائمة بأهداف لهجمات إلكترونية، وبرنامج ”باوندلس إنفرومنت“ (مخبر بلا حدود)، وهو برنامج وكالة الأمن الوطني لجمع البيانات الضخمة.

بعدها نشرت بويتراس لقاءً مصورًا مدته 12  دقيقة مع سنودن على موقع “الجارديان”، انتشر سريعًا على نطاق واسع، وصاحبه لقاء مطبوع أجراه ماكاسكيل بصيغة أسئلة وأجوبة. كان ذلك اللقاء الأول ضمن سلسلة من لقاءات تحولت لاحقًا إلى ”المواطن رقم أربعة“ الفيلم الذي جاء في وصفه بأنه ”قصة مثيرة واقعية تنكشف لحظة بلحظة أمام أعيننا”.        

اتصلنا عبر برنامج “سكايب” مع بويتراس وطرحنا عليها بعض الأسئلة على هامش العرض الأول للفيلم في مصر، وبعد أن ترجمه للعربية مجموعة من النشطاء المصريين الشهر الماضي.

رامي رؤوف: في رأيك لماذا لم يحظَ ما كشف عنه سنودن بالكثير من التغطية الإعلامية أو الاهتمام السياسي في الشرق الأوسط، رغم ما تضمنته تلك الكشوفات مثل الأدلة على تقديم وكالة الأمن الوطني دعمًا لإسرائيل في المراقبة لتسهيل العمليات العسكرية في غزة، بالإضافة إلى الدعم المقدم إلى الحكومات العربية، ومنها الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية، لمراقبة المواطنين؟

لورا بويتراس: هناك عوامل عدة مجمعة، من بينها القصور في تغطية القصة نفسها. لم ننقل بشكلٍ كافٍ ما يحدث في جميع أنحاء العالم. لو عاد بي الزمن إلى الوراء وأصبح لدي فرصة لتغيير ما حدث، لحرصت على أن يصل نطاق التغطية إلى المزيد من البلاد. كما كانت التحقيقات  في بعض الأحيان تستغرق وقتًا طويلًا قبل نشرها.

لم نعطِ التغطية في المنطقة حقها. هناك شركات مراقبة خاصة مثل “فينفيشر” تمارس عملها في مصر منذ فترة، لكن أظن أنه من المعروف بالفعل أن تلك الحكومات تراقب المواطنين، خصوصًا المشاركين في الأحداث السياسية—على عكس الوضع في الولايات المتحدة؛ حيث تفاجأ الناس بما كان يحدث. ربما تنم هذه المفاجأة في الولايات المتحدة عن سذاجة ما، وأظن أن البعض صدم بشكل حقيقي، لأننا لدينا التعديل الرابع بالدستور الذي يشترط وجود اشتباه قبل القيام بمراقبة بهذا الحجم. وأظن أن النشطاء في مصر يعرفون أن الحكومة تتابعهم. كما أن هناك العديد من المشكلات المرتبطة بممارسات الحكومة، فقد لا يكون ذلك على قائمة الأولويات. ما رأيكم؟

لينا عطا الله: أرى أنك محقة. وبما أننا نعمل بالفعل في ظل نظام سلطوي، لا تكون الصدمة كبيرة عندما نعرف أن الحكومة تتجسس علينا. لكني أظن أن هناك اهتمامًا متزايدًا بمعرفة كيف يتم ذلك. ومع زيادة نشاطنا على الإنترنت تزداد الحكومة حرصًا أيضًا على تنظيم الإنترنت ومراقبته بالجملة، إما بواسطة آليات تشريعية أو من خلال أدوات المراقبة الجماعية. ولذلك أصبح الناس أكثر تيقظًا بشأن الوسائل المستخدمة لاختراق خصوصيتهم.

ل. ب: أظن أن هذا صحيح. لقد زرت مصر في شهر مايو 2011، مع جاكوب أبنباوم، وقابلت أشخاصًا ممن شاركوا في الثورة. ولقد لفتت انتباهي تلك اللحظة التاريخية من الغضب العام تجاه شركات التقنية التي تساعد الحكومة في محاولاتها لكبح الثورة. لقد أدرك الناس في تلك اللحظة أن شركات التقنية قد قررت الاصطفاف مع الحكومة.

ر.ر: في رأيك ما مدى العلاقة بين مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة ونظيره في مصر؟

ل.ب: أظن أنه قد اتضح لنا الآن أن العلاقة بينهما وثيقة للغاية، أليس كذلك؟ لا أستطيع الحديث عن كل بلد على حدة، وأقول إنهم يفعلون هذا وذاك، لأني لم أعمل على التغطية من كل تلك البلاد. الولايات المتحدة لديها شركاء يعملون  كطرف ثالث. ولقد نشرت مؤخرًا تقريرًا بالتعاون مع جيريمي سكاهيل تحدثت فيه عن مدى اعتمادهم على الشرق الأوسط للتحكم في الطيارات دون طيار في المنطقة. نعلم أن هناك العديد من البلاد في الشرق الأوسط تعمل كطرف ثالث بالشراكة مع وكالة الأمن الوطني، والمملكة العربية السعودية واحدة منها.

ل.ع.: سوف أعود إلى الفيلم لأطرح عليك بعض الأسئلة عنه. ما الصلة بينه وبين الفيلمين الوثائقيين اللذين أخرجتيهما ، My Country, My Country (بلادي، بلادي) و The Oath (القَسَم)، وإلى أي مدى تعتبرين هذه الأفلام ثلاثية؟

ل. ب: جميعها مرتبط بمحاولة فهم أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر. تقوم رؤيتي الإخراجية على فرضية معينة. إذ قضيت وقتًا مع أشخاص يواجهون مشكلات وفهمت ما يمرون به، يمكنك فهم القضايا الأكبر. ومن خلال تلك الأعمال اهتممت بنقل الجانب الإنساني من حرب الولايات المتحدة على الإرهاب. كما اهتممت أيضًا كمخرجة أفلام وثائقية بالتسجيل، وبزيارة الأماكن وتوفير صور لإطلاع الجمهور على الأمر، بالإضافة إلى تقديم سجل دائم للمستقبل.

عندما كنت أشاهد الأخبار في المرحلة التمهيدية لحرب العراق، رأيت سابقة مرعبة لفرض قوى عسكرية ضد بلد يشتبه برغبته في إيذائك. هذا هو منطق الحرب في العراق، فضلًا عن فرضية الحرب الأصلية التي استندت إلى معلومات خاطئة. عند مشاهدة الأخبار كانت التغطية تفصلك تمامًا عن حقيقة الحرب على الأرض، وعن المعلومات التي تتلقاها الولايات المتحدة، فكنا نسمع عن أعداد الموتى بالتفجيرات الانتحارية ولم نكن نعلم أي شيء عن العواقب الحقيقية بالنسبة للعراقيين. جاء هذا الفيلم بدافع الرغبة في فهم الحرب من منظور شخص كان هناك. وعندما بدأت هذا الفيلم لم أكن أتخيل أني سوف أتناول نفس المواضيع بعد 10 سنوات.

لقد أدركت خلال مرحلة مونتاج فيلم My Country, My Country إني أود أن أصنع فيلمًا عن جوانتانامو. ما زلت عاجزة عن تصديق أن الولايات المتحدة لديها سجن تحتجز فيه أشخاصًا دون أية تهمة منذ عام 2002، وأن هذا السجن في بلد آخر، وأنه خارج ضوابط القانون تمامًا.

وقتها فهمت أن ذلك سوف يكون مشروعًا أكبر لفهم الولايات المتحدة وما تفعله. وهذه هي نقطة التماس مع (المواطن أربعة Citizenfour) كثيرون يسألوني لأني أخرجت فيلمًا في العراق إن كنت مهتمة بالمنطقة في حد ذاتها. لكني في الحقيقة كنت مهتمة بنفوذ الولايات المتحدة في سياق ما بعد هجمات 11سبتمبر، وفي تلك المرحلة أردت أن أشير إلى أن الأمر لا يتعلق بالناس هناك فحسب، بل بالناس هنا أيضًا. ولذلك بدا لي أن المراقبة قضية مهمة.

إذا نظرنا إلى الممارسات التي ظن المسؤولون في السنوات الأولى من إدارة بوش أنها سوف تتوقف لتعود لملاحقتهم، سوف نجد أنها ممارسات مرتبطة بالتجسس؛ لأنهم كانوا يعرفون تمام المعرفة أن ذلك غير دستوري، وأنهم سوف يحاسبون على ذلك فيما بعد. وهناك واقعة جون آشكروفت الشهيرة؛ حيث استقال كل العاملين في وزارة العدل تقريبًا بسبب قضية تجسس عام 2004. وهكذا بدأت العمل على مشروع يتناول قضية المراقبة.

ل.ع: لقد قرأت عن مخاوف سنودن من أن يتحول هو إلى محور القصة، وكان ذلك سبب تردده في التصوير معك. كيف تمكنتِ من تغيير موقفه، وإلى أي مدى تحول سنودن إلى محور القصة بالفعل، إن صح هذا القول، في رأيك؟

ل.ب: لقد قرر سنودن ألا يخفي هويته دون إخطاري بذلك الأمر. فقد أُفصح عن اسمه، لكن ذلك يختلف عن الموافقة على إجراء لقاء مصور. ولقد أخطرني بقراره أثناء حديث بيننا عن إمكانية التصوير معه، وأظن أن ذلك كان رد فعله على ما يراه من طريقة تناول وسائل الإعلام السائد لتلك القضايا. وكان ينظر إلى طرق عمل الإعلام السائد من منظور نقدي، وكان يعلم أنه بمجرد الإفصاح عن اسمه سوف يتحول التركيز من القضية نفسها إليه.

لذا حاولت أن أشرح له أنه مع قراره عدم إخفاء هويته أصبح من المهم جدًا معرفة دوافعه للمخاطرة بحياته، فمن حق الناس أن يعرفوا دوافعه هذه. لماذا يجازف شخص بهذا القدر؟ الإجابة لم تكن موجودة في الوثائق. كانت هذه حجتي.

ولقد طمأنته للغاية من حيث قدرتي على حماية المواد المعنية. كما أكدت له أني لن أشترك في التحقيقات ضده وأني سوف أكون متعاونة.

ل.ع: هناك بعض الأسئلة أرسلها قراؤنا. دعينا نطرحها عليكِ. هل تظنين أن اتصال سنودن بكِ وطريقة نشر تسريباته ومدى انتشارها قد حمته من الانتقام بعض الشيء، على عكس تشيلسي مانينج التي أخطأت في اختيارها للأشخاص الذين تواصلت معهم؟ وما سبب ثقة سنودن بك في رأيك؟      

ل.ب: أظن أن سنودن كان يتابع عن قرب ما حدث في قضية مانينج وآخرين ممن قاموا بأعمال مشابهة. وهناك واقعة استهدفت الحكومة الأمريكية فيها مجموعة من المبلغين عن الفساد بوكالة الأمن الوطني، واستخدمت قانون التجسس ضد مسؤولين عملوا بالاستخبارت لمدة 30عامًا كانوا يطرحون تساؤلات حول المراقبة ومدى موافقتها للقانون. لقد تعلم من ما حدث سابقًا. وما فعلته الحكومة الأمريكية في قضية مانينج حدد كيف تمت رواية الواقعة. فقد نجحوا في السيطرة على الرواية ولم تعارضهم الصحافة للأسف. أما سنودن فقد اختار طلب اللجوء السياسي بدلًا من انتظار ما قد يحدث والخوض في منظومة المحاكم. لقد نظر إلى سائر المبلغين عن الفساد وأدرك أنه لا سبيل للحصول على محاكمة عادلة. إذا جاءك عملاء من مكتب المباحث الفيدرالية عند البيت تعلم ما الذي ينتظرك.

كان يرتاب بشدة من الإعلام السائد بسبب تاريخه في التعتيم على القضايا. وأكبر مثال على ذلك صحيفة “النيويورك تايمز” عندما رفضت نشر تحقيق عن التنصت على المكالمات الهاتفية لسنوات بناءً على طلب الحكومة. وهذا ما جذبه إلى طريقة عمل جرينولد. فقد تحدث إلى جرينولد لأنه رأى تغيرًا في المشهد الإعلامي، وأن هناك صحفيين آخرين يمكنه الحديث معهم ولن يسمحوا للحكومة بإثنائهم عن نشر القصة. اتصل سنودن بجرينولد ،الذي لم يكن يعرف كيف يستخدم  التشفير بواسطة برنامج PGP، لأنه كان يعلم أنه سوف يشرك صحفيين آخرين في الأمر.

أما بخصوص اتصاله بي، فلا أظن أني قد وفرت له قدرًا كبيرًا من الحماية؛ لأني بصفتي مخرجة أفلام وثائقية مستقلة لا أحظى بقدر الدعم المؤسسي نفسه الذي قد يحظى به شخص يعمل لصالح صحيفة مثل “النيويورك تايمز” أو “الواشنطن بوست”.

كما أن أهمية القصة زادت الأمر صعوبة على الحكومة وغيرت مسار الأحداث؛ لأنه ليس من المعتاد أن يكشف أشخاص مثلنا عن هذا النوع من الأنباء العاجلة، وباستخدام الفيديو أيضًا. وهكذا لم يقتصر الأمر على معلومات فاضحة للغاية فحسب، بل كانت طريقة النشر مختلفة أيضًا، ولقد ترك ذلك أثرًا أقوى وزاد من صعوبة تحكم الحكومة في الرواية والمعلومات.

ل.ع: هل صدمتك المعلومات؟ ما حققته وثائق “ويكيليكس” بصفة عامة مثلًا أنها أكدت لنا ما نعرفه بالفعل. هل كان تأثير ما كشفه سنودن مشابهًا؟ كما أن موقع إنترسبت أنشئ بغرض استمرار نشر أخبار عن الوثائق. كيف تتمكنين من نقل القصة وتضمنين استمرار الرأي العام في الانشغال بها، في حين أن جانبًا كبيرًا منها أصبح يتمحور حول سنودن، وأيضًا في ظل زوال عنصر الصدمة المصاحب لأولى التسريبات؟

ل.ب: من حيث المفاجأة، نعم تفاجأت. حتى من هم أكثر مني تشاؤمًا لم يكونوا على دراية بمدى المراقبة وحجمها الضخم، والتي تتم بلا تمييز على شبكة الإنترنت. هناك أجهزة تعود بالزمن إلى الوراء وتصدر تقارير مصورة بالأوقات الفعلية التي يقضيها شخص متصل على شبكة الإنترنت. الأمر مخيف للغاية.

الناس محقة في نقدها لنا فيما يخص مدى توسعنا واستمرارنا في النشر. لكني لا أظن أن وظيفتنا كصحفيين تحتم علينا تحريك الأحداث. نحن نحاول الكشف عن الحقائق، ولا يمكن بأية حال أن أتوقف عن النشر لمجرد أن الخبر لم يعد عاجلًا.

أما بالنسبة لموقع “إنترسبت”؛ فهناك العديد من المشاريع جارٍ العمل عليها وأتطلع إلى صدورها، كما أتطلع إلى استخدام المزيد من الصور ونصوص أقل. علينا أن نستمر في نشر الأخبار عن الوثائق. وأنا أؤمن بما نفعله، فهو أمر مشوق وشرف لي أن أعمل مع جرينولد وسكاهيل في موقع أكثر معارضة للسلطة. ما زال الموقع يتطور، ونعمل حاليًا على توسيع نطاق اهتماماتنا.

ر.ر: على مدار العامين الماضيين قابلت أشخاصًا يعملون في مؤسسات كبيرة وفي الحكومة، وكانوا على استعداد للحديث على العلن ومشاركة معلومات سرية. لكن عندما تولى الجيش الحكم آثر الجميع الصمت. كانوا يخشون التواصل معنا، وكان التحدث إلى صحفيين وباحثين مثلنا مجازفة كبيرة. ما الذي يمكن أن نفعله لحماية سلامة هؤلاء الأشخاص مع نشر المعلومات التي بحوزتنا في الوقت ذاته؟ هل هناك توقيت جيد وآخر سيئ للنشر مثلًا؟ ما رأيك؟

ل.ب: المصادر أول ما تستهدفه الحكومة في الحقيقة. الصحفيون يتمتعون بقدر ما من الحماية، حتى إذا استهدفونا أيضًا. هذه مجازفة يقوم بها الناس عن وعي. فهم يوافقون على الحديث علنًا لأن الرأي العام ينبغي له أن يعرف، وأظن أن مهمتنا كصحفيين- قد نكون على دراية أكبر بقضايا المراقبة- هي أن نوضح لمصادرنا ألا يتحدثوا عن مواضيع بعينها بطرق غير آمنة.

أما بخصوص التوقيت، أرى أن الأمر يتعلق أكثر بالمصلحة العامة. على سبيل المثال، لقد نقحنا بعض الجوانب في قضية “بريزم”. فقد شعر المحررون في هذه القضية أنه يجب إغفال معلومات تنفيذية بعينها. لم أصدر قراري بناءً على التوقيت قط، لكن ذلك الظرف كان مختلفًا. كان لدي المصدر، إدوارد سنودن، وقد قرر بالفعل الحديث علنًا، ولذلك لم أضطر إلى حساب المخاطر. لو كان اختار عدم ذكر اسمه، لاضطررت إلى وضع ذلك في حساباتي بشكل مختلف. يجب ألا يتعرض المصدر إلى الأذى، هذا واجبنا كصحفيين.

ر.ر: كيف أثرت كل أعمالك في حياتك الاجتماعية والشخصية؟

ل.ب: لقد منحني هذا العمل فرصة التعامل مع أشخاص تغير العالم. هذا أكثر عمل على الإطلاق يعطيك شعورًا بالجدوى؛ حيث ترى شيئًا ملهمًا بالإنسانية. لكن له أثره على الجانب الشخصي بالفعل. لقد أدركت أن كل فيلم أخرجته ترك أثره الجسدي علي. بعد تصوير الفيلم في العراق أصبت بالأرق الذي يلازمني حتى اليوم. جسدي يحدثني عندما يكون هناك خطر ما. فقد كان هذا الفيلم يدور حول الأشخاص الذين يمكننا الوثوق بهم وأولئك الذين يجب ألا نثق بهم.

عندما بدأت أتلقى رسائل إلكترونية من سنودن، بدأت أشعر بطنين في الأذن. ظننت في البداية أني أبالغ في ارتيابي بالأمر، وقد يكون هناك ميكروفون أو شيء من هذا القبيل في شقتي يصدر تلك الضوضاء الحادة، وكان الصوت يصاحبني في مختلف الأماكن التي أذهب إليها. ثم أدركت أن العلة بي. عندما بدأ سنودن يراسلني قال لي زملاء العمل والأصدقاء المقربون إن ذلك سوف يصبح تحقيقًا ضخمًا، وسوف يقحم الجميع في حياتك. نصحتهم أن يتنحوا جانبًا وقلت إني لن أشعر بغضاضة تجاههم إذا فعلوا ذلك. لكنهم لم يتنحوا جانبًا. وفي وقت ما في صيف 2013، شعرت بخطورة الأمر البالغة عندما عرفنا أن الحكومة تحاول جاهدة أن توقفنا عن عملنا. لكني تلقيت دعمًا من زملائي وأصدقائي في الأوقات الصعبة. لقد تصدى الناس للأمر ولم يهربوا.

ر.ر: تعيشين الآن في نيويورك. هل يراودك دائمًا شعور بأنه سوف يلقى القبض عليك في أية لحظة؟

ل.ب: لم أكن لأعود إذا كان هذا الشعور يراودني. لقد ابتعدت بالفعل لمدة عام تقريبًا. قبل كشوفات سنودن كنت على قوائم الحكومة للمراقبة، وما زلت على تلك القوائم، حتى وإن كانوا لا يستوقفوني للتفتيش في المطارات. ولهذا السبب كنت أتخذ برلين مقرًا لي. ولكني أظن أنه بعد مرور فترة من الزمن سوف يصبح من الصعب جدًا ملاحقتي وجرينولد، وهذا لا يعني أنهم لن يفعلوا ذلك. الأمر به مخاطر، لكني توصلت إلى أن المخاطر قد انحسرت في حالتي. لكن هذا لا ينطبق على جميع الحالات.

ر.ر: هل وجدتِ أي شيء في الوثائق أعطاكِ أملًا؟

ل.ب: في بعض الأحيان كان العاملون بالوكالة يقولون إن ما يفعلونه خطأ، كانت هناك اعتراضات داخلية بدرجة ما، ولقد أعطاني ذلك أملًا كبيرًا.

ل.ع: كيف ترين عملك بالفيلم والتحقيقات؟ إلى أي مدى أثر عملك على شكل سيطرة الدول مثل الولايات المتحدة على المعلومات والروايات التي تروج للشعوب؟

ل.ب: من منظوري كمخرجة أرى أن الحكومة تود السيطرة على السردية، لكنها لم تستطع أن تفعل ذلك في هذه القضية- لقد مثّل عملي تهديدًا من تلك الناحية إذًا. لو لم أتمكن من عرض المقاطع المصورة، لشاعت أقاويل كاذبة، مثل: هو [سنودن] موجود في آسيا ويعمل لصالح جهة كذا. عندما تشاهد المقطع المصور قد لا تتفق مع بعضٍ من اختيارات سنودن، لكن يصبح من المستحيل تلفيق رواية أخرى، فمن الواضح تمامًا صدقه.

ولذلك أظن أن صحافة جرينولد، وصحافة ويكيليكس، تحاول إعطاء الجمهور المعلومات دون اللجوء إلى الأساليب المعتادة، وكان هذا عاملًا مساعدًا. لو كانت مانينج قد ذهبت إلى “الواشنطن بوست” لاختلف أثر قصتها.

هناك الآن تغطية من الأراضي المحتلة تأتينا من مواطنين يعملون كمراسلين. وهناك أيضًا تغطية عن أحداث “فرجسون” لفتت الأنظار إلى ما يحدث من عنف. لم يحدث ذلك لأن أمريكا وعت فجأة على حقيقة كونها بلد عنصري؛ بل يأتي ذلك مدفوعًا بجهود مجموعات تعرف كيف تنقل تلك الأخبار. هذا هو المشهد المتغير في مجال مشاركة المعلومات.

اعلان
 
 
لينا عطاالله 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن