الإسلاموفوبيا: الكراهية أو الخوف الشديد من الإسلام والمسلمين..
وفقًا لقاموس أوكسفورد، دونت هذه الكلمة في القاموس سنة ١٩٢٣.
سنة ١٩٢٣، كان جُل العالم الإسلامي مُستَعمَر.
نجد أيضًا أن الإسلاموفوبيا تختلط في بعض الأحيان ببعض أنواع التنميط والعنصرية الأخرى، مثلاً: المبنية على لون البشرة، بالذات أصحاب البشرة البنية.
…
قبل جريمة “تشارلي إبدو” بأشهر عدة، في مدينة “إدنبرة” الاسكوتلندية الجميلة، ثلاثة أصدقاء (مصري، وإيطالي، وهولندية) يتجولون في شوارع المدينة القديمة مستمتعين ببردها القارس ومبانيها القديمة العتيقة البديعة. يأخذنا صديقنا الإيطالي “بيترو” إلى أحد المطاعم الاسكوتلندية كي نتناول طعام أهل البلد.. يعرفنا “بيترو” على صديقه الذي يعمل نادلًا بالمطعم.. الجميع مبتسمون وفي غاية السعادة؛ فقد كان يومًا شاقًا في الجامعة. يأتي صديق “بيترو”- النادل- مرة أخرى ويسألنا ماذا سنأكل؟ فأجيب أنني أريد تناول “برجر” مدينة “أبردين” البقري الشهير دون “بيكون”. يسألني: “هل أنت مسلم؟”.. أجيب بنعم.. نتبادل الحوار- هذا شخص يبدو أنه مهتم بصدق لمعرفة المزيد عن أناس يسمع عنهم ولا يقابلهم كثيرًا. يعتذر قبل كل سؤال خشية منه أن يجرح مشاعري أو يتسبب لي بأية إهانة. أطلب منه أن يسأل ما شاء؛ فأنا لا أشعر بالإهانة من نقد أو سؤال صادق.. يذهب صديقنا النادل ويستمر صديقاي في سؤالي عن الإسلام وبعض الكلمات العربية التي يسمعونها من حين لآخر في وسائل الإعلام.. الكلمات العربية التي تستخدم في وسائل الإعلام الغربي- حسب متابعتي- قليلة. مثلاً: “حلال”، “حرام”، “جهاد”، “حجاب”، “برقع”، “مجاهدين”، “شيخ”، “إمام”، “ملّا”، “كافر”..
…
في أكتوبر ٢٠١٤، صدر تقرير بأن عدد جرائم الكراهية ضد المسلمين زادت بنسبة ٦٥٪ من ٣٤٤ لـ٥٧٠ في لندن فقط.
…
وأنا مستمتع بالحديث مع أصدقائي حول العرب والمسلمين والشرق الأوسط، فجأة شخص ما ينظر لي وبعلو صوته يقول: “أنت.. نعم.. أتحدث إليك! لا أريد أن أسمع صوتك ولا تتحدث فيما تتحدث فيه!”..
شخص يجلس مع مجموعة من أصدقائه على منضدة على بعد أمتار مني. المطاعم الاسكوتلندية الأصلية صاخبة بطبعها. أصوات الأطباق والموسيقى والتلفاز- الذي عادة يذيع مباراة “الرجبي”- ومعظم الناس عالية جدًا. وبالتالي من المستحيل أن تسمع حوارًا على بُعد أمتار منك! لكن بالتأكيد تستطيع أن تميز اللغة، وقد استخدمت العديد من الكلمات العربية في معرض شرحي.
“هل تعنيني أنا بكلامك؟!”، أسأل بتعجب.
يرد هو، وهو ينظر إلى مجموعته: “نعم، أقصدك أنت! لا أريد أن أسمع صوتك!”.
فجأة عم الصمت لوهلة في المكان، هو لا يرى أصدقائي جيدًا لأننا نجلس بزاوية، هو يراني أنا فقط.. أنظر لهما وهما في صدمة مما يحدث، وأقول لهم مبتسمًا: “هذا ما كنت أعنيه”.
كنت قد قصصت عليهما قبل قدومنا إلى المطعم أنني في أول يوم نزلت فيه إدنبرة- عزيزي القارئ هذه ليست مبالغة- توقفت سيارة بجانبي وصرخ شاب ثمل “عد إلى وطنك”، وبعدها بشهر تقريبًا وأنا أنتظر الأتوبيس في طريقي للعودة إلى منزلي من الجامعة، وقف بجانبي رجل، ثمل أيضًا، وسألني إذا كنت أدرس بجامعة “إدنبرة”؛ فأجبته مبتسمًا بنعم. فرد على أنها جامعة عريقة وتستقبل طلابًا من جميع العالم؛ فقلت له إني أدرك ذلك وأنا سعيد بوجودي هنا. ثم سألني عن دراستي، وعندما أجبته، رد عليّ فجأة ودون أي مبرر برد صادم لم تصدقه أذناي! قال لي: “لا تبقى هنا بعد انتهاء دراستك! تبًا لكم (ترجمة أنيس عبيد) أصحاب البشرة البنية! تعتقدون أنكم تستطيعون أن تأتوا من باكستان أو الهند لتسرقوا فرصة العمل هنا وتظنون أنفسكم ناجحين.. تبًا لكم جميعًا.. تبًا لكم”.
…
بعد جريمة “تشارلي إبدو” في باريس بأقل من أسبوع، سجلت السلطات الفرنسية أكثر من ٥٠ جريمة من جرائم الكراهية ضد المسلمين في فرنسا.. إحدى وعشرون من هذه الجرائم تضمنت إطلاق نار وإلقاء متفجرات على مبانٍ تابعة للمسلمين.. قبلها بأعوام كتبت الكاتبة المحترمة “د. مريام فرانسوا” عن سلسلة من الاعتداءات تعرض لها بعض من المسلمين والعرب في فرنسا من قبل الشرطة، وصلت هذه الجرائم إلى: الإجهاض، التعدي بالضرب المبرح، بل والقتل أحيانًا- دون محاسبة حقيقية لمرتكب الجريمة، الذي يكون في معظم الأحيان شرطيًا.
وقبل جريمة “تشارلي إبدو”، وتحديدًا في السويد، تم حرق ثلاثة جوامع في أسبوع واحد من بعض أعضاء جماعات اليمين المتطرف.
…
ما زال أصدقائي في حالة صدمة.. أستدير للشاب وأقول له بتحدٍ: “لماذا أنا؟!.. أنا متأكد أني لا أتحدث بصوت عالٍ.. وبيننا الكثير من الناس؛ فأستبعد أن يكون صوتي قد أزعجك! لماذا أنا؟”؛ فيرد عليّ باستخفاف: “قل لي من أين أنت، وسأقول لك لماذا أنت!”. في هذه اللحظة اكتسب هذا الشاب ومجموعته التي تسخر مني سخط وغضب من حوله. مع الأسف، الكثير منهم صمتوا ولكن نظراتهم لي وله كانت كافية.. فجأة، نهضت صديقتي الهولندية التي لم تعد تحتمل، والتي كانت تجلس في الزاوية البعيدة عن مدى رؤيتهم، ثم ذهبت مسرعة إلى منضتهم وتحدته هو ومجموعته، ثم أعطتهم درسًا في الأخلاق. فرد أحدهم عليها أنهم لم يروها وأنهم يعتذرون لها؛ فقالت لهم إن الاعتذار يجب أن يوجه لي وليس لها.. فرفضوا؛ فقلت لها إنني لا أريد اعتذارًا من أمثالهم، وطلبت منها أن تعود. ثم قال لها أحد أصدقاء الشاب الزينوفوبي الإسلاموفوبي: اذهبي وتنوالي “الإفطار” مع صديقك.. عندما عادت سألتني ما معنى كلمة “إفطار”، والتي قالها بالعربية، قلت لها إنها الوجبة التي نتناولها في الصباح- ولم نكن في الصباح بل المساء- أو عندما نكسر صيامنا في شهر رمضان أو صيام السنة؛ فغَضِبت مرة أخرى وأرادت أن تتشاجر معهم؛ فطلبت منها أن تتوقف. قلت لأصدقائي إن هذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها لهذا الموقف التنميطي القذر. وبدأت أحكي لهم عن أول مرة أسافر فيها إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
…
قبل ١١ سبتمبر ٢٠٠١، كانت عدد جرائم الكراهية ضد المسلمين تتراوح بين ٢٠ و٣٠ جريمة سنويًا. في ٢٠٠١ فقط، سجلت السلطات ما بين ٤٠٠ و٥٠٠ جريمة كراهية ضد المسلمين. أما من ٢٠٠١ حتى الآن، عدد جرائم الكراهية ضد المسلمين تتراوح ما بين ١٠٠ و١٥٠ جريمة في السنة في الولايات المتحدة الأمريكية. سمعنا عن جريمة منهم مؤخرًا وصلت إلى القتل. والتي راح ضحيتها “ضياء بركات” وزوجته “يسر” وأختها “رزان”، والتي مع الأسف يحاول البعض أن يصورها على أنها خناقة “من أجل ركنة”. وقبلها، منذ أشهر فقط، قتل عبدالصمد شيخ حسين، ١٥ سنة، إثر خروجه من المسجد بعد أن صدمته سيارة بشكل متعمد بمدينة “كانساس”. وبعدها قتل مختار أحمد، الأب الذي لقي حتفه بعد أن أوصل طفلته إلى المدرسة.. قتل بطلق ناري وهو في سيارته في مدينة “لويسفيل، كنتاكي”. وأخيرًا، أحمد الجمايلي، الذي قتل بطلق ناري أيضًا، وهو يلتقط لأول مرة في حياته صورًا للثلج في مدينة “دالاس”. مرات عدة تبادر الشرطة بنفي شبهة أن تكون جريمة كراهية أو إرهابًا وتلجأ لأسباب مثل “خلاف حول ركنة” أو “غضب عشوائي” أو “جريمة عشوائية” أو “خلل عقلي” بالذات إذا كان الجاني “رجل أبيض”.
…
أول مرة أزور الولايات المتحدة في حياتي كان لزيارة بعض الأصدقاء في أواخر ٢٠١٠. نزلت مطار “جون أف كينيدي” الشهير وأخذت دوري في الجوازات. نظر لي الضابط بشكل متعجرف ثم وضع جواز سفري في ملف وأخذني إلى ساحة بداخل المطار.. أخبرني بأنه تم اختياري “بشكل عشوائي” للاستجواب. هذا المكان العشوائي، سبحان الله، أغلبه عرب ومواطنين من جنوب شرق آسيا. أجلس بجانب شاب يخبرني أنه هندي الموطن، هندوسي الديانة، يدرس في جامعة “كولومبيا”. أخبرني أنه عاش في الولايات المتحدة لمدة ١٢ سنة. وأنه منذ أن زار بعض الدول الإسلامية وهو يتم اختياره “بشكل عشوائي” ليقضي ٣ ساعات من وقته في هذا العبث.. نتبادل النكات والضحكات التي تتجاوز الحدود والأديان؛ فالعم سام لا يرى فارقًا بيننا! وفي هذا، قد أصاب العم سام. ثم أرى رجل عجوز- أعتقد أنه شامي- ينظر إلى ملفه، الذي من الواضح أنه انتظره كثيرًا؛ فيقف فرحًا بأن دوره قد أتى لكي ينهي فترة الاستجواب ثم يمضي إلى شأنه. فجأة، ينهره الضابط بأنه لم يناد على اسمه بعد. نصرخ جميعًا بلغات مختلفة: “اجلس يا حاج حتى يُنادي على اسمك”. يصيح الرجل العجوز فينا بأنه ينتظر منذ ساعات وهذا ملفه.. هذا دوره! يقول لنا: “وهل رجل في سني خطر؟!”.. ينظر له الضابط بغضب، ثم يأخذ ملفه ويضعه في آخر كومة الملفات أمامه!!.. هذه ثلاث ساعات أخرى. يجلس الرجل العجوز في قهر. بعد مرور ساعات، ينادي الضابط على اسمي، ثم يبدأ الاستجواب بالشكل التالي: الضابط: ما اسمك؟
أجيب: أحمد أبو حسين.
الضابط: عندما أسألك سؤالًا تجيب بإجابة كاملة!
ابتسم.
الضابط: هل قلت شيئًا مضحكاً؟
أجيب: كلا! ثم أجيب، متهكمًا، باسمي لسابع جد!
الضابط: هل كنت عضوًا في جماعة إرهابية من قبل؟
أجيب (وفي سري أموت من الضحك): لا.
الضابط: هل صنعت قنبلة من قبل؟
أجيب: لا.
الضابط: هل انضممت لأي تشكيل عسكري من قبل؟
أجيب: لا.
الضابط (مرة أخرى): ما اسمك؟!
نستمر في هذه الأسئلة السخيفة- التي اختصرتها- لفترة ليست بقصيرة. أخرج إلى أصدقائي.. أشعر بالمرارة.. أشعر بالإهانة.. نهان في بلدنا؛ فيقولون هذا حال العالم الثالث.. أهان في الخارج، يقولون إننا في حرب على الإرهاب.. أنا لا أريد أن أهان.. لا في وطني ولا في الخارج.. ألعن نظامي الذي جعلني أهان بالخارج، ثم ألعن نظامهم المنافق الذي يهينني ويدعم النظام الذي يقهرني في وطني ثم ينتقده على إهانتي!
…
وزارة العدل الأمريكية تصرح بأن ثلث جرائم الكراهية فقط تبلغ للشرطة؛ لأن أغلب المعتدى عيلهم لا يعتقدون أن الشرطة ستحقق في الأمر بجدية.
…
يذهب مدير المطعم في إدنبرة إلى مجموعة الشباب التي صدر منها إساءة لي وينهرهم، ثم يأتي مدير المطعم ويقول لي إنه يعتذر، وأن هذا التصرف لا يعبر عن أهل المدينة، وأن عليّ أن أعذرهم؛ لأنهم ثملّون وحمقى. أضحك وأقول له: “أنا آخر شخص يؤمن بأن تصرف البعض يعبر عن مجتمع”. لقد رأيت بعيني أن الناس لم تحترم الشاب الذي أساء لي.. أغلبهم صمت ولكن هناك من تحدث معه، وبالفعل جاء هذا الشاب واعتذر لي! وقال لي إنه لم يكن في وعيه. فقلت له إن اعتذاره مقبول ولكني مللت عذر “السكر”، وقلت له سكرك لا يجعلك عنصريًا ولكن يفقدك اتزانك فتقول “بدون فلاتر” ما يدور بعقلك، وعندما بدأت أتحدث إليه عن ضرورة احترامنا لبعض، إذ بصديقه يأتي مسرعًا غَضِبًا نحونا وهو يريد أن يعتدي عليّ ربما، ويصيح “أنا لست آسفًا، تبًا لك (ترجمة أنيس عبيد مرة أخرى).. أنا لست بآسف لأمثالك”. يفصل بيننا صديقه وأحد العاملين بالمطعم، حتى يأتي رجل ضخم يعمل في المكان ليحمله إلى الخارج.
يبقى هذا البلد من أفضل البلاد التي زرتها في حياتي. هذه الأحداث قليلة وعادة تجد شخصًا أو أكثر من أهل البلد يتصفون بالشهامة والجدعنة يتدخلون وينهرون المعتدي.
…
يكشف مركز للتقدم الأمريكي (الليبرالي) Center for American Progress عن تقرير في غاية الأهمية، حول عملية تمويل الحملات المناهضة للإسلام والمسلمين والتي تدعو للكراهية ضد المسلمين في ٢٣ ولاية أمريكية (فقط). ويقدر حجم الإنفاق على هذه الحملات- في الولايات المتحدة الأمريكية (٢٣ ولاية)- بحوالي ٤٠ مليون دولار في آخر ١٠ سنوات.
كاثي نيومان، أحد أبرز نجوم الإعلام في بريطانيا، تفاجئ الجميع باعتذار لها على “تويتر” عن قصة قد فبركتها حول أحد المراكز الإسلامية في بريطانيا. ادعت الصحفية النجمة أنها طُردت من المسجد وأهينت من القائمين عليه. كاميرات المراقبة الحكومية- التي لم ترها الصحفية- أثبتت أن ادعاءها كذب.. ولا أحد يدري حتى الآن لماذا فبركت هذه القصة؟!
…
يقول لي صديقي المصري: “يعني هو وضع المسلمين أو غير المسلمين هو اللي حلو في بلاد المسلمين؟! يحمدوا ربنا.. على الأقل هم أحسن من غيرهم!”؛ فأجيبه: “وإحنا أحسن من سوريا والعراق”؛ فيرد: ماذا؟! تلك الجملة السخيفة التي يرددها محبو الظلم في مصر، كلما طالبهم أهل الحرية بالتوقف عن الظلم.. أتعجب فعلًا من صديقي الثوري الذي يبرر ظلمًا بحجة أنه أفضل من وضعنا.. نسبية تدعمها نرجسية لا فكر عقلاني. عزيز القارئ العربي، العالم لا يدور حول الوطن العربي أو مسلمي الوطن العربي. ليس ذنب المسلم أو غير المسلم العربي أو الباكستاني أو الهندي أو الإفريقي الذي يعيش في بلاد أجنبية أن الأوضاع في بلاده الأصلية تعاني خللًا في كل نواحي السياسة والحوكمة.. لهذا تركها / تركتها في الأصل.
…
النمسا تقر قانونًا يمنع المنظمات الإسلامية بالنمسا من تلقي أية معونات خارجية، في حين أنها تسمح لجميع المنظمات التابعة للأديان الأخرى بتلقي المعونات الخارجية. وقد صرح وزير خارجية النمسا بأنهم يريدون “إسلامًا نمساويًا”. هذا الأمر الذي اعتبرته مؤسسات دولية تدنيًا في حقوق العبادة.
…
إذا قرأت كل هذا وشعرت بالغضب؛ فعليك أن تدرك أنك أيضًا ملزم بأن تكون جزءًا من الحل. في نظري، الإسلاموفوبيا لا تنفصل عن الزينوفوبيا أو التمييز ضد أصحاب البشرة السمراء أو البيضاء أو غيرها.. لا تفرق كثيرًا عن التمييز ضد أصحاب الديانات المختلفة… أو حتى التمييز الجنسي، ضد المرأة أو الرجل. القولبة وإفقاد الإنسان إنسانيته هي صفة مشتركة بين كل ما هو حقير في عالمنا.. فلا تكن حقيرًا.. كن إنسانًا.. مهما كلفك الأمر.
الأمر ليس مرتبطًا بكون المسلمين شعب الله المختار- كما تصور بعض الجماعات لنفسها ومتابعيها. الأمر له أصول مبنية على هذه المعادلة: العنصرية + المصلحة + الخوف + التضخيم. إن وضع اليهود في العالم- بالذات في أوروبا- في موقف متدنٍ حقيقةً. الإسلاموفوبيا ومعاداة اليهود (يد بيد)، قد بلغا ذروتهما وفقًا لبحث أجرته مؤسسة “بيو” البحثية. ولا يسعنا أن ننسى أزمة أصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلاد. العالم يمر بفترة شبّهها أحد أساتذتي بفترة الثلاثينيات في القرن الماضي؛ حيث تعلو أصوات الفاشية والنازية حول العالم تحت مسميات مختلفة. لذلك محاولة البعض تضخيم الإسلاموفوبيا أو إنكارها هو جزء كبير من المشكلة التي نعيشها، وتضخيمها (هي مشكلة ضخمة بالفعل) يعني تصوير الأمر للناس على أنها حرب على الإسلام؛ لأن محاربي الإسلام يدركون أهميته. ليس بالضرورة. الحقيقة أن كثيرًا منهم يرون الإسلام دينًا رجعيًا لا يناسب هذا العصر. وإنكار الإسلاموفوبيا يأتي من بعض المسلمين- وتحديدًا- العرب أنفسهم الذين يرون الأمر من خلال نظرية النسبية، وأيضًا مبرري التمييز والتطرف حول العالم. البعض يتجاوز ويبرر الإسلاموفوبيا بأنها نتاج تصرفات الجماعات الإرهابية! تبرير الجريمة جزء من الجريمة. هل أفعال إسرائيل تبرر الكراهية ضد اليهود؟ هل جرائم الميليشيات المسيحية في جمهورية إفريقيا الوسطى تبرر جرائم الكراهية ضد المسيحيين في شمال إفريقيا؟ هل العبودية في إفريقيا تبرر استعباد الأفارقة وتجارة العبيد؟ بالطبع لا..لا..لا! ومن يسلك هذا المسلك، نبشره بأنه مشروع فاشي صغير.
…
الموضوع قديم.. وأنا أقلب في صفحات الكتب لأرصد تاريخ الإسلاموفوبيا، وجدت خطابًا مهمًا لرئيس وزراء بريطانيا الراحل “وينستن تشرتشل”، والذي أعتقد أنه لا يقل خبثًا عن أفكار “أدولف هتلر” أو “أبو بكر البغدادي”. لكن التاريخ يكتبه المنتصرون. شهادة “تشرتشل” أمام لجنة بيل ١٩٣٧- والتي كانت من المفترض أن تكون سرية- ترينا حقيقة الإسلاموفوبيا وبداياتها، وأنها لا تنفصل عن معاناة شعوب وأعراق وأهل ديانات أخرى. وعاء الكراهية الدينية والعنصرية والجنسية واحد. والحقيقة أن كل ما تعرضت له أو قرأت عنه أو شاهدته، لم يزدني إلا قربًا وتعاطفًا مع من هم تحت وطأة العنصرية أو أي نوع آخر من التمييز. أيضًا، زادني عداوة لكل عنصري أو مؤمن بأي نوع من التمييز، ووجدت أن أكثر الناس تعاطفًا مع من تعرضوا لمواقف تصنف “بالإسلاموفوبيا”، هم المنضمون للمجموعات الإفريقية والحركات النسوية.
…
قال تشرتشل، الزعيم الذي يخلد ذكراه الكثير من الأوروبيين، ويعتبره الكثير من رجال السياسة .. “قدوة”، للجنة “بيل” سنة ١٩٣٧ في شهادته حول القضية الفلسطينية:
“حيثما يذهب المحمديون (المسلمون) أو العرب يتحول المكان إلى صحراء”.
فيرد عليه أحد أعضاء البرلمان بأن “العرب والمسلمين أعطوا العالم حضارة الأندلس العريقة قبل أن يطردهم الإسبان”.
تشرتشل: “وأنا سعيد جدًا لأنهم طردوهم”.
…
وفي تلك المناسبة وأمام تلك اللجنة، يلقي خطبة “بيت الكلب” الشهيرة، تعليقًا على طرد العرب (مسلمين ومسيحيين) من ديارهم في فلسطين… ولن أحتاج إلى توضيح من المقصود بالكلب:
…
“أنا لا أؤمن بأن الكلب له الحق الآخير في بيته، بالرغم من أنه قد يكون قد نام (عاش) في هذا البيت زمنًا طويلاً. ومن هذا المنطلق (أو على نفس النهج)، أنا لا أومن، مثلاً، أنه قد وقع ظلم كبير على الهنود الحمر (في الأمريكتين) أو سود أستراليا- يقصد المذابح ضد سكان الأصليين لتلك القارات-. أنا لا أؤمن بأن ظلمًا قد وقع على هؤلاء لمجرد أن هناك جنسًا، متقدمًا، أقوى، جنسًا أحكم، دعني أصيغها هكذا، قد أخذ مكانهم”.
…
المصادر:
عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر
أشترك الآن