قضية شيماء الصباغ.. “أثر الفراشة لا يزول”
 
 

يبدو أن واقعة مقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ، كان لها أثر خاص على الدولة المصرية بمؤسساتها المختلفة، وإن كان أثرها لا يُرى أحيانًا، إلا أنه في أحيان أخرى يبدو واضحًا لا شك فيه، وكأنه لا يزول.

برغم أن اللغط المصاحب للقضية وصل خلال الأيام القليلة الماضية إلى ذروته- بداية من إحالة النيابة العامة القضية لمحكمة الجنايات موصفة الحادث بـ”ضرب أفضى إلى موت”، مرورًا بتصريحات المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي، الذي قال إن الصباغ قضت بسبب نحافة جسمها وأن الخرطوش ليس مميتًا، انتهاء بضم أحد الشهود على قتل الشرطة للصباغ إلى قضية التظاهر دون تصريح، التي ضمت من بين متهميها الشهيدة نفسها- فإن هذا اللغط لم يكن قادرًا على إخفاء الأثر الذي تخلفه القضية في كل مرة.

آخر من طالهم “أثر الفراشة”، كان الدكتور “هشام عبدالحميد”- المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي- الذي صدر قبل ساعات قرار من كبير الأطباء الشرعيين محمود أحمد علي، بإعفائه من تكليفه بمنصبه، وهو القرار الذي احتوى على تحذير لكل العاملين في المصلحة من أطباء وموظفين بعدم الإدلاء بأي بيانات أو معلومات فنية قد تصل إليهم (في أثناء أو بمناسبة مباشرتهم لعملهم) لأي من وسائل الإعلام.

وكان “عبدالحميد” قد قال في أحد البرامج الفضائية، إن الخرطوش الذي تستخدمه قوات الشرطة “ليس مميتًا”، وأن الصباغ قضت بسبب “نحافتها الزائدة”. وهو ما يتناقض مع التقرير الذي أصدرته المصلحة قبيل الدفن، والذي انتهى إلى أن الإصابة كانت من مسافة بين 3 و8 أمتار، وأحدثت تهتكًا في أنسجة القلب والرئتين.

المحامي الحقوقي “مالك عدلي” علق على مسألة المتحدث الرسمي، قائلًا: “المتحدث باختصار تدخل في ما لا يعنيه، وأربك القضية كلها وعرّض النيابة العامة للحرج الشديد. الطب الشرعي ليس جهة تحقيق، إنما جهة فنية تصدر تقريرها الرسمي في سبب الوفاة، ولا تحلل نوايا الضابط ولا قدراته، وينتهي دورها، وبخاصة أن التقرير الصادر عن مصلحة الطب الشرعي، وهكذا أقوال شهود الواقعة تتعارض مع فتاوى المتحدث المُقال”.

من جانبه، علق “مدحت الزاهد”- القائم بأعمال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الذي تنتمي له شيماء- قائلا لـ«مدى مصر»: إن قرار كبير الأطباء الشرعيين يؤكد أن تصريح المتحدث المُقال كان تصرفًا فرديًا، مدفوعًا بضغوط من خارج الطب الشرعي للتأثير في سير التحقيقات.

وتحدث «مدى مصر» مع “هشام عبدالحميد” المتحدث الرسمي المُقال، لكنه اعتذر عن الحديث لـ “أسباب صحية”.

وأكد “الزاهد” أن الحزب كان قد كلف اللجنة القانونية به لبحث اختصام المتحدث المُقال لدى القضاء، وأنهم إذ يقدّرون قرار الإقالة، إلا أنهم ماضون في بحث مقاضاته.

وكان النائب العام قد أصدر بيانًا في الأسبوع الماضي، قرر فيه إحالة الضابط “ياسين الإمام– لكن دون تسميته- إلى محكمة الجنايات بتهمة الضرب المفضي إلى الموت. لكن القضية حتى الآن لم تحدد لها جلسة، كما أن ملفها، حتى الساعة، لم يكن جاهزًا للتصوير، بحسب المحامين.

وكان توصيف جريمة القتل بالضرب المفضي إلى الموت، قد أثار استنفار عدد من المحامين المنضمين إلى القضية، وكانت المحامية “ياسمين حسام الدين”، قد وصفته لـ«مدى مصر» بأنه يمهد للحكم على القاتل بالبراءة الإجرائية؛ لأن أقوال الشهود وتقرير الطب الشرعي يصبّان في اتجاه “القتل الخطأ” أو “القتل العمد”، وليس الضرب أو التعدي البدني.

إحالة الضابط إلى الجنايات صحبها إحالة لواء وضابط آخر للجنايات بتهمة إخفاء الأدلة، وسبقتها بأيام إقالة وزير الداخلية السابق- محمد إبراهيم- عن منصبه، وهي الإقالة التي رأى الكثير أن أحد أسبابها كان قضية مقتل “شيماء الصباغ”، وبرغم نفي رئيس الوزراء إبراهيم محلب أن تكون لقضية شيماء الصباغ علاقة بإقالة الوزير؛ فإن هذا لم يمنع الكثير من التأكيد أن هناك علاقة بينهما.

المتحدثون عن إقالة إبراهيم بسبب “صراع ما” كان أحد أسبابه انتهاء تحقيقات النيابة إلى اتهام أحد ضباط الشرطة بقتل شيماء، لم يلتفتوا كثيرًا إلى وعد الوزير المُقال بأنه سيقوم بتقديم أي ضابط أو جندي للمحاكمة الجنائية والإدارية في حال ثبوت تورطه في قتل شيماء، وهو الوعد الذي قطعه أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد حديث الأخير عن وجوب الوصول إلى قاتل شيماء، واستند هؤلاء إلى نفي الشرطة القاطع لأن يكون أحد أفرادها هو من قتل شيماء، خاصة بعد تصريحات اللواء عبدالفتاح عثمان- المساعد السابق لوزير الداخلية للإعلام والعلاقات، بعد الواقعة- بأن الشرطة لم تطلق أية طلقة خرطوش أثناء فض الوقفة التي نظمها حزب “التحالف الشعبي الاشتراكي”، التي وصفها بأنها كانت وقفة لـ”الاشتراكيين الثوريين”، وأن عناصر مندسة هي من قتلت شيماء، وأيضًا تصريحات اللواء هاني عبداللطيف- المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية- أن وفاة شيماء الصباغ، “خسارة فادحة للشرطة وتركت أثرًا كبيرًا في نفوس رجال الشرطة، وأن أفراد الداخلية أكثر حزنًا على وفاتها من الشباب”، وتصربحه بأن الأجهزة الأمنية المعنية تكثف جهودها لتحديد هوية وضبط المتورطين في قتل شيماء الصباغ، رغم الاتهامات التي وجهت وقتها للشرطة بقتل شيماء. واعتبر المتحدثون عن وجود علاقة بين إحالة ضابط للجنايات وتغيير وزير الداخلية، أن هذه الإحالة أتت بعد صراع داخلي، تسبب حظر النشر في القضية في إبقائه بعيدًا عن العيون.

وكان النائب العام قد أصدر بعد ذلك قرارًا بحظر النشر في القضية، بالإضافة لقضية قتل المحامي كريم حمدي، والاثنين يتهم فيهما بشكل أساسي ضباط في وزارة الداخلية، بالقتل والتعذيب. ما بدا معه أن المسألة احتلت خصوصية ما لدى أجهزة الدولة؛ فسارع النائب العام لإصدار قرار بحظر النشر في كل ما قد يدين أحد العاملين في جهاز الدولة القوي، وسارع أيضا لاتهامه شيماء وزملاءها في قضية “التظاهر دون تصريح”.

وصدر قرار الإحالة في القضية الثانية، ليتهم زملاء شيماء وهم أيضًا شهود الإثبات في مقتلها، وليضم شاهدة أخرى، هي المحامية “عزة سليمان”، التي لم تكن من المشاركين في المسيرة من الأساس، وكانت فقط جالسة في “مقهى” ملاصق لمكان الواقعة.

كان “السيسي” قد قال أثناء كلمة وجهها للأمة في فبراير الماضي، إنه اتصل بالنائب العام ليطمئن على سير التحقيقات في قضية شيماء الصباغ وقضية أحداث ستاد الدفاع الجوي، التي راح ضحيتها حوالي 20 من مشجعي نادي الزمالك، وكان رد النائب العام عليه: “ما حدش هايكون جنبي وأنا باتحاسب قدام ربنا”.

وحاول «مدى مصر» الوصول إلى المحامية “عزة سليمان”، التي طالها هذا الاتهام، إلا أن وجودها خارج البلاد لم يسمح بذلك.. غير أنها كانت قد نشرت على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تعليقًا بعد ضمها للقضية، وقالت: “النهاردة بعد قرار الاتهام وتحويلي من شاهدة إلى متهمة، أقدر أقول إني مش نادمة على الشهادة، ومهما فعلت الشرطة أو النيابة أو القضاء لتخويفنا (أحيانًا بينجحوا)، إلا أن الأمل ما زال موجودا عندي”.

“مالك عدلي” علّق لـ “مدى مصر” عن الموضوع، وبخاصة في ما يتعلق بضم “عزة سليمان” إلى قائمة المتهمين. وقال: “النيابة فقط تريد مجاملة الداخلية.. فحولت شاهدة إثبات في قضية مقتل شيماء إلى متهمة في قضية المسيرة.. هذا ببساطة عقاب لها عن شهادتها ضد الداخلية”.

واستطرد قائلًا: “النيابة حققت مع المتهمين في قضية التظاهر، وهم إما أعضاء لجنة مركزية أو مكتب سياسي في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وجميعهم قالوا إنهم كانوا المنظمين والمشاركين في الفعالية، نافين أنها كانت مظاهرة أو مسيرة، وأكدوا أنهم كانوا يتعاملون بحرص مع الداخلية، لكنهم فوجئوا بالهجوم”.

وضم قرار الإحالة “زهدي الشامي”- نائب رئيس الحزب-، والقيادي اليساري “إلهامي الميرغني وطلعت فهمي وعبدالحميد ندا والمحامية عزة سليمان ونجوى عباس وطه طنطاوي والسيد فوزي ومحمد صالح فتحي ومصطفى عبدالعال وماهر شاكر وحسام نصر وعادل المليجي ومحمد صالح وخالد مصطفى ومحمد أحمد محمود وأحمد فتحي نصر”.. كما كان القرار يضم شيماء الصباغ نفسها، لكنها استُبعدت لانقضاء الدعوى الجنائية بوفاتها.

وتعود أحداث القضية إلى يوم 24 يناير الماضي، حين نظم عدد من أعضاء حزب “التحالف الشعبي الاشتراكي” وقفة بالورود في ميدان “طلعت حرب”، لإحياء ذكرى شهداء الثورة، قبل أن تقوم الشرطة بفض الوقفة بالقوة.

اعلان
 
 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن