عن المزيد في دروب المتاهة

الحلقة الأولى

 

المزيد من اﻷسئلة تظهر في المدى، أسئلة تداعبك كي تختار طريقًا بديلًا عن الطريق الذي رسمته لنفسك داخل تلك المتاهة، متاهة وجدت نفسك فيها مجبرًا ـ وإن كنت في البدء مخيرًا ـ لكنك لا تتذكر متى وأين بدأت السير في دروبها بإرادتك الحرة. لا تدري إن كان الطريق سيظل مسدودًا أمامك في حال قررت تغيير خط سيرك واختيار درب مختلف وجديد، أم سيكون الخلاص في اختلاف طريقك، أم قد يكون الخلاص في طريق دربك اﻷول ورفاقه الذين ارتضيتهم على علاتهم مسبقًا.. هل تتذكر متى رضيت بهم؟

كيف وجدت نفسك هنا؟ ألا تدري أكان هذا فجائي، أم كانت له مقدمات ـ ربما لم تلاحظها – في هذا المكان المتميز بألمه، وموقعه المتوسط من المتاهة.. هذا الموقع الذي جعلك متمكنًا من رصد كل شاردة تدور حولك في هذا العالم التائه.. الذي يزعم أنه الرائد.. والزعيم القائد، وصاحب الموالد.

لماذا ينهكنا البحث عن الحقيقة؟! هل جُهد البحث عن الحقيقة والحق في الخلاص يساوي مجهود مقاومة موروث مجتمع يعيش في ظل مُسَلَّمَات يؤمن بها، وكأنها حقائقه الخاصة به التي قد يدفع عمره ثمنًا للدفاع عنها، وسط مجموعات من التائهين الذين يجزمون دومًا بامتلاكهم للحقيقة، برغم اعترافهم الكامل بضياعهم في دوامات المتاهة اللا متناهية.

كيف ستتحمل ضغط اﻵخرين لسحق آخرين تحت أرجلهم، والصعود فوق رقابهم ليقفزوا إلى مرحلة متقدمة داخل تلك المتاهة اللعينة؟ كل المفاهيم اﻹنسانية السامية تنهار أمام جشع القادمين الجدد لهذا العالم العجوز الذي زاد عمره عن ملايين السنوات، رأى فيها القهر يواجه العجز ويسحقه أمامه مرات عديدة.

هل زادت اﻷسئلة داخل عقلك عن الحد المتاح والمدى المستطاع حتى تعيش مبتهجًا تحت ركام تلك العبثية المزدانة بواقعية مريرة؟ لا تحزن، فهناك دائمًا مخارج ومسالك في درب المتاهة الرئيسي تجعلك تقترب من طريقك المرسوم بعناية تبتهج معها وتتعجب.

ويبقى تساؤل لا يزول.. ما الذي يشدك إلى هذه المتاهة، بل ما هذا الذي يعجبك في زمن التيه؟

………………………….

 

الحلقة الثانية (ثلاثة عباد)

 

المزيد من اﻷسئلة تظهر في المدى، أسئلة تداعبك كي تختار طريقًا بديلًا عن الطريق الذي رسمته لنفسك داخل تلك المتاهة.. ففي إحدى استراحات المتاهة تتهيأ للراحة فلا تملك إلا أن تقابل أسرة العبد، أم سورية وأربعة أبناء تبدأ أسماء ثلاثة منهم بلفظة “عبد”، وبرغم وحدة اللفظ إلا أن التباين كان واضحًا، فأكبر الأشقاء، عبداللطيف، شاب في الثالثة والعشرين من عمره، يعيش بعقل وعقلية طفل في عقده اﻷول من العمر، ترعاه أمه التي لا تغفل عنه لمحة بصر، حدث مرة واصطحبته معها وأخوته إلى الشاطئ للعبور إلى سواحل أوروبا حيث الحلم متجسدًا، كما روى من عبرَ قبلهم.. ومن أحد الشواطئ في قلب المدينة الساحلية سبحوا داخل المياه، خمسين مترًا أو يزيد لاستقلال القارب.. سبحت اﻷسرة كلها للوصول إلا عبداللطيف، ويومها غفلت عنه لوهلة أثناء سباحتها، وبمجرد ركوبها القارب نظرت حولها فلم تجده بجوارها، بحثت بعينها بعيدًا فوجدته ما زال على اليابسة وتوقف معه أحد أخوته يرعاه.. استصرخت اﻷم قائد المركب أن يعود فهي لا تقدر على مفارقة ابنها، أجابها إنه سيتركها تعود معه بعدما ينهي مهمته من توصيل باقي المهاجرين إلى قارب أكبر سينقلهم عبر المياه الدولية، وبوصوله للقارب اﻷكبر بدأ قائده حصر عدد المهاجرين فوجده لا يتجاوز الخمسة عشر راكبًا، فرفض نقلهم ثم سب شرف أم  قائد القارب اﻷول، وقرر عودته معهم لليابسة مرة أخرى وسط مباركة اﻷم.

أدت غفلتها تلك بالأسرة جميعًا لدفع الثمن أيامًا من الاحتجاز تحت التحفظ بشبهة القيام بمحاولة هجرة غير قانونية عبر البحر، ومرت أيام الاحتجاز في ندم جراء اﻹحساس بمذلة وهوان، مما جعلها تقرر عدم خوض تلك التجربة مرة أخرى أو حتى محاولة اختيار طريق بديل داخل دهاليز المتاهة، إلا أن العبدان الباقيان رفضا اﻹذعان لقدرهما وكررا ـ سويًا دونما أمهما وعبداللطيف ـ المحاولة مرارًا للفرار خارج هذا الطريق الضيق المنحوت بالصعاب.. كان الفشل صاحبهما في مرتين، أما في المحاولة الثالثة كانت سواحل أوروبا ثابتة في انتظارهما تلوح لهما بالحلم.. لا تدري إن كان سيظل الطريق أمامهما مسدودًا بعد اختيار درب مختلف وجديد؟ أم سيكون الخلاص في اختلاف الطريق؟

 

يتبع..

اعلان
 
 
محمد حنفي الكاشف 
 
 

دعمك هو الطريقة الوحيدة
لضمان استمرارية الصحافة
المستقلة والتقدمية

عشان من حقك الحصول على معلومات صحيحة، ومحتوى ذكي، ودقيق، وتغطية شاملة؛ انضم الآن لـ"برنامج عضوية مدى" وكن جزءًا من مجتمعنا وساعدنا نحافظ على استقلاليتنا التحريرية واستمراريتنا. اعرف اكتر

أشترك الآن